إضاءات حول التخصصات الجامعية – أخبار السعودية – كورا نيو
التخصص الجامعي هو مجال دراسيٌّ معيَّن يختاره الطالب بناءً على رغبته وميوله وقدراته العلمية، بالإضافة إلى مراعاة متطلبات سوق العمل؛ وذلك بهدف اكتشاف هذا المجال والتعمُّق فيه والتزوُّد بالمعارف والمهارات التي تؤهِّله للعمل في هذا المسار المهنيِّ بعد التخرج برغبة وكفاءة وتأثير، بما يعود عليه وعلى بيئة العمل وعلى المجتمع بالنفع المستدام.
بادئ ذي بدء لا بُدَّ من القول: إنَّ الدراسة الجامعية ليست نزهة أو محطة حياتية مُريحة، ولكنها مرحلةٌ تتطلَّب الجدَّ والمثابرة والالتزام والبحث في المراجع والإفادة من تكنولوجيا التعليم وتقنيات الذكاء الصناعي؛ علاوة على الحرص على تعزيز المهارات التواصلية، والسَّعي الحثيث لاكتساب الخبرات العلمية والحياتية من الأقران وأساتذة الجامعة.
وإنَّ الدراسة الجامعية لا تقتصر على الانكباب المستمر على التخصص الدقيق فقط، على الرغم من أهميته، بل تتطلَّبُ الاطلاع على مجالات علمية ذات صلة توسِّع مدارك العقل وتُثري خبرة الطالب، علاوة على القراءة في مجالات العلوم الإنسانية والأدبية التي تغذِّي الروح، وتسمو بالنفس، وتلهم الإنسان المعاني العميقة والقيم النبيلة في الحياة.
ومن الأهمية بمكان أن يلتفت الطالب في أثناء دراسته الجامعية إلى تنمية المهارات المصاحبة سواء أكانت في مجال البرمجة والتصميم والرسم، أم في مجال كتابة الشعر والقصص والروايات، أم في مجال الإلقاء والخطابة والتناظر وغيرها. لأنَّ الطالب الجامعي يجدُ في المهارات المصاحبة فسحة من المتعة ومساحة للترويح عن النفس بعيدا عن المتطلبات الدراسية وقيودها، وفي كثيرٍ من الأحيان تحقِّق المهارات المصاحبة للطالب الجامعي دخلا ماديا جيدا.
وليس ذلك فحسب، بل ينبغي للطالب أن يُعنى بالمهارات الحياتية الرئيسية التي ترافق الإنسان طيلة حياته والتي من شأنها أن تقوِّي الصحة، وتغذِّي الروح، وتصقل الشخصية، وتُكسب المعرفة، وترتقي بأساليب التعامل الإنساني مع العالم المحيط.
ولا ينبغي للطالب الجامعي أن يكون طموحه محصورا في التخرج والحصول على الشهادة والانخراط في الوظيفة فحسب، بل يُنتظر منه في هذا العصر أن يسمو بتطلعاته، ويكون ذا عزيمة ماضية، ونفس تواقة، ويسهم في تنوير المجتمع وصناعة الفرق وإحداث التغيير الإيجابي الذي ينهض بمجتمعه وأمته.
وعلى الطالب الجامعي ألا ينتظر الواقع المثالي في دراسته وطبيعة أساتذته وأنماط أقرانه، بل ينبغي له أن يشدَّ المئزر، ويتكيَّف مع الظروف بالصبر وقوة الشكيمة والطاقة المتدفقة؛ لكي يجعل من المحن منحًا، ويصنع من الصعوبات والتحديات فرصا للإنجاز والنجاح.
ولا بُدَّ أن يُدرك الطالب الجامعي أنَّ الحياة لا تُبنى بالآمال، ولا تُدار بالأمنيات والأحلام الورديَّة، وأنَّ الأفكار وحدها لا تحقق الأهداف ما لم تتحوَّل إلى خطط، وأنَّ الخطط لا يُكتب لها النجاح ما لم تكُن مترافقة مع الجهود المنظمة والصَّبر والالتزام.
وليس أمام الطالب الجامعي أعذار في العصر الراهن، عصر الانفتاح وتطور تكنولوجيا التعليم وتوفُّر المعرفة بكل أصنافها، فما عليه إلا أن يعرف طريقه، وينظِّم وقته، ويطوِّر أدواته في البحث، ويستقي المعلومات والنصائح من أهل العلم الراسخ في المنصات الإلكترونية وغيرها.
وعندما يجد الطالب نفسه مضطرا لدراسة تخصص ما، لا يرغب فيه، لأسباب تتعلق بالدرجات أو المقابلات والاختبارات التي تتطلبها بعض التخصصات؛ فأهيب به أن يكون متصالحا مع ذاته، وأن يعقد العزم على مواصلة الطريق، والتكيُّف مع الواقع، واستنهاض الهمة لإكمال مسيرته العلمية بنجاح.
وبوسع الطالب الجامعي أن يدرس تخصصا آخر في قادم أيامه نظرا لتوفر فرص التعليم الجامعي الهجين والتعليم عن بُعد في العصر الراهن.
ولتضع أيها الطالب الجامعي نصب عينيك أنك تتعلم لا لتملأ الجيوب بل لتضيء الدروب، ولا لتحشو عقلك بالمعلومات بل لتحفِّزه على ابتكار المسارات، وإشعال فتيل الإبداع. وأنك تتعلم ليس لتكون في عداد المثقفين بل لتكون في عداد الملهمين الذين يُسهمون في تعميق الوعي لدى أبناء المجتمع، وتكون لك بصمة إيجابية ونوعية في تنمية المجتمع ونهضته وازدهاره.
وختاما، فإنَّ الطلاب الجامعيين هم ثروة المجتمع الواعدة، وغراس التنمية المنشودة، وهم الأمل المُنتَظَر نحو نهضة شاملة، وحياة مستقرة، ومجتمع تسوده التنافسية المعرفية، وتتألق فيه روح التعاون، ويعلو فيه صوت العلم، وتنتشر فيه المبادرات الخيِّرة والطروحات البنَّاءة.
@badrhussain1969
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات