أخبار العالم

إغراء الموظف براتب أعلى.. «تخبيب»؟ – أخبار السعودية – كورا نيو



تداولت منصات اجتماعية ما يطلق عليه «التخبيب في الوظائف»؛ ويقصدون بذلك انتقال موظف إلى موقع آخر نتيجة عرض راتب أفضل أو مميزات جديدة ومغرية، ويعتبر البعض ذلك نوعاً من أنواع «التخبيب»، لكن فريق آخر له رأي مغاير، فمن حق الموظف أو العامل البحث عن تحسين وضعه الاجتماعي والوظيفي، واستشهدوا في ذلك بكبار رؤساء الشركات ولاعبي كرة القدم ومدربيهم.

ويستند أصحاب الرأي الأول في تعريف «التخبيب الوظيفي» كمصطلح يشير إلى قيام شخص ما، عادةً ما يكون منافساً لجهة العمل، بمحاولة إفساد علاقة موظف بصاحب العمل، أو إقناعه بترك عمله والانتقال إلى جهة أخرى، وغالباً ما يكون ذلك من خلال إغراءات مادية أو وعود بظروف عمل أفضل. وللتخبيب في العمل أوجه عدة؛ منها الإغراء المالي بتقديم رواتب أو مزايا مالية أعلى للموظف؛ والانتقال إلى جهة أخرى أو عرض بيئة عمل أكثر جاذبية أو فرص تطوير وظيفي أكبر لإقناع الموظف بالانتقال أو محاولة التأثير على الموظف ضد صاحب العمل الحالي من خلال إبراز سلبيات العمل الحالي أو التقليل من شأنها.

المصطلح غير دقيق

المحامي مشاري عبدالرحمن الثبيتي قطع بعدم صحة ما يطلق عليه التخبيب الوظيفي، وأوضح لـ«عكاظ»، أن اختيار المصطلح ضمن العلاقات التعاقدية غير دقيق؛ لأنه مصطلح شرعي، وله سياق آخر يستخدم للإشارة إلى التفريق بين الزوجين. والتخبيب يعني: «قيام طرف أجنبي بالتدخل بين الزوجين؛ بهدف إفساد علاقتهما أو حياتهما الزوجية»، وهو فعلٌ منهيٌّ عنه شرعاً بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «ليس منّا من خبّب امرأة على زوجها»، وفي النظام، يعد التخبيب جريمة موجبة لتطبيق عقوبة تعزيرية في حال ثبوتها، وتخضع حينها لسلطة القاضي التقديرية. أما علاقة العمل فهي تنظيمية تعاقدية بين أطرافها وقائمة على الرضا وتبادل المصالح إلى جانب المقابل المالي العائد منها، وفي ذلك نصت المادة الأولى من نظام العمل في تعريفها لمفهوم العامل بأنه: «كل شخص طبيعي يعمل لمصلحة صاحب عمل وتحت إدارته أو إشرافه مقابل أجر»، الأمر الذي نبين معه بأن العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل حيثما كانت مقيدة بأحكام ونصوص النظام المختص، فهي علاقة تعاقدية صحيحة أساسها تمكين الإنسان والمجتمع، وتعزيز تنافسية سوق العمل، وهو ما يتوافق في حال حصول العامل على عرض عمل أفضل إن كان جديراً بذلك فيعد ذلك تقديراً لكفاءته وقدرته على الأداء بكفاءة وفاعلية لا تخبيباً، مستشهداً بالانتقالات بين قيادات الشركات وحتى التنقل بين الوظائف، وبين لاعبي كرة القدم، وغيرهم.

كيف تحدّد مسارات وظيفتك؟

استشاري الخدمة الاجتماعية الدكتور حسن سلطان بصفر، قال: عندما ينتقل شخص من وظيفة إلى أخرى بعد تلقي عرض براتب أو مميزات أفضل، غالباً ما يكون الانتقال مدفوعاً بالرغبة في تحسين الوضع المالي أو الوظيفي، وهناك عوامل عدة يجب أخذها في الاعتبار عند اتخاذ القرار، بما في ذلك تأثير الانتقال على المسار الوظيفي، والبيئة الجديدة، والتوازن بين العمل والحياة، فالإنسان يعمل من أجل الحصول على الرفاهية وتلبية متطلبات حياته المعيشية ويتطلع دائماً لزيادة في الراتب؛ ليتماشي مع متطلبات حياته. ويجب التفكير في كيفية تأثير الانتقال على المسار الوظيفي على المدى الطويل، هل يفتح فرصاً جديدة؟ أم أنه يمثل تراجعاً؟ ويجب تقييم مدى سهولة التكيف مع بيئة العمل الجديدة، والثقافة التنظيمية، والزملاء الجدد كما يجب التأكد من أن العرض الجديد لا يؤثر سلباً على التوازن بين العمل والحياة.

فالموظف الذي يختار موقعاً آخر إنما يفعل ذلك بسبب عدم ارتياحه في عمله الحالي، وعدم تقدير رؤسائه لجهده وكفاءته، فيضطر للتطلع لمكان أفضل براتب أفضل في مكان يقدّر علمه وخبرته ومثابرته، وهذا أمر إيجابي ومطلوب، فاختيار المسار الوظيفي ليس قراراً عابراً، بل خطوة مفصلية قد تعيد تشكيل حياة الإنسان على مستويات عدة، فغالباً ما يكون القرار مصحوباً بحالة من التردد والحيرة خصوصاً عندما يدرك الفرد ما لا يرغب في القيام به، لكنه يفتقر الرؤية الواضحة لما يريد أن يفعله، وهذه المفارقة تجعل من عملية اختيار المسار المهني فرصة للبحث والتأمل والتجريب.

نصيحة قبل القرار

يوصي الدكتور بصفر أي شخص يتقدم لوظيفة جديدة، أن يجرى تقييماً شاملاً لما يتطلع إليه في حياته المهنية المثالية، ومن المفيد أن يكتب كل ما يحبه وما لا يحبه في وظيفته الحالية، وبعدها يبدأ في تحديد الأدوار المحتملة التي يعتقد أنها تتناسب مع طموحاته، وإجراء بحث معمق حول هذه المجالات الجديدة لفهم طبيعة العمل الجديد وتحدياته وتوقعاته. والخطوة الأولى في تغيير المسار الوظيفي الناجح تبدأ من الداخل أي فهم الذات جيداً، فلا يمكن اتخاذ قرار واعٍ بشان المسار الجديد دون التوقف لتقييم المهارات والاهتمامات، والقيم الشخصية تمثل البوصلة المهنية، ومن أهم اختيار المسار الوظيفي: تقييم المهارات والقدرات والخبرات واكتشاف الاهتمامات ووضع أهداف قابلة لقياس البحث عن المعرفة وتطوير المهارات من خلال العمل الجديد وتحقيق الرفاهية والبحث عن المعرفة وبناء شبكه علاقات مهنية واكتساب الخبرة الواقعية بالتدريب والعمل التطوعي وتحديث الهوية المهنية والاحترافية والتحلي بالصبر والمثابرة والتقييم المستمر والتعديل عند الحاجة. وعند حصول الفرد على عرض عمل براتب أفضل ومميزات أحسن لا يعتبر تخبيباً وظيفيّاً، بل السعي للوصول لرفاهية وتحقيق حياة معيشية أفضل.

أما الباحث الدكتور محمد غازي الحمياني، فيقول: إذا طغت المصلحة الشخصية على المصلحة العامة في تقديم الإغراءات المادية لشخص كان يعمل في مؤسسة حكومية تخدم العامة وبانتقاله للعمل تحت ما قُدم له من إغراءات للعمل في القطاع الخاص الربحي يكون له أثر سلبي فهذا يعد «تخبيباً»، وإشباع رغبة شخصية ضيقة وأنانية من نفس تريد تحقيق مكاسب شخصية دون النظر إلى الأثر السلبي الذي سيتسبب في خلق فراغ كان يقدم خدمات، سواء كانت طبية أو اجتماعية ونحوها.

هنا يجب أن تتدخل الجهات المعنية لوقف ذلك لتغليب وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وأعتقد أن الجميع يبحث عن تحسين المستوى الاجتماعي.

إذا هبت رياحك!

القاص بخيت طالع الزهراني يقول: إن المثل الدارج يقول: «إذا هبت رياحك فاغتنمها»؛ لذلك يتعين على كل منا أن ينتهز «الفرصة» متى لاحت في الأفق، خصوصاً إنْ كانت تحقيقاً لأهدافه، فالفرصة لا تأتي مرتين، وعلى من تتهيأ له فرصة وظيفية أفضل بمعايير يراها تحقق له شغفه وأهدافه اغتنامها؛ شريطة دراسة الأمر من كل جوانبه، ولا بأس أن يستشير دائرة ضيقة من أصدقائه الخُلص من ذوي الفكر النير. مشيراً إلى أن المسألة هنا لا علاقة لها بالتخبيب، الذي يعني إفساد العلاقة بينه وصاحب العمل.

وأضاف قائلاً: أنت هنا تتصرف بشكل طبيعي، تبحث عن حق مشروع لك في فرصة عمل أفضل، فرصة تحسِّن وضعك المهني والمالي، خصوصاً إذا كان العرض الجديد يحقق لك هدفك، ويتوافق مع طموحاتك المهنية، فهذا يعتبر قراراً شخصياً ومهنياً منطقياً، بل وشجاعاً، فعدم اتخاذ القرار والتفاعل مع الحياة كمعطى متحرك، يشير للخور والتردد، والضعف الواضح في إدارة القرار الشخصي المحوري. لافتاً إلى أن الحذر يظل -فقط- ألا يكون القرار مبنياً على العاطفة على حساب العقل، ولا محاكاة للآخرين كمظهرية تفتقد عمقها العملي.

ممارسة محكومة بالقانون

الإعلامي أحمد محمد سالم الأحمدي، يرى أن قيام بعض الجهات بإغراء الموظفين بالانتقال إليها عن طريق راتب أعلى وبعض المميزات الأخرى تعود لمدى إخلاص الموظف لعمله الذي بدأ العمل فيه ومدى ارتياحه نفسياً وعملياً، وأن يستجيب للإغراءات من أجل زيادة في الراتب فقط رغم أنه مرتاح في عمله من جميع النواحي التي ذكرتها، فأعتقد أن المسألة فيها عدم ولاء لعمله، وعدم تثمين لثقة مرؤوسية ودعمهم له حتى وصل لما وصل إليه، فالمادة ليست كل شيء رغم أن تحسين الوضع المالي مطلوب، لكن ليس في كل الأحوال.

وأضاف الأحمدي: الولاء للعمل ولمن وضعوا ثقتهم فيه أمر مطلوب، والتخبيب من الأمور المنهي عنها.

أما أستاذ الإحصاء وعلوم البيانات المشارك بجامعة الطائف الدكتور سعد المالك، فيرى أنه في ظل التحولات الهيكلية والتنموية التي تشهدها المملكة، ومع تسارع وتيرة البرامج والمشروعات التي تقودها رؤية 2030، لم يعد من المنطقي قراءة انتقال الموظف من جهة إلى أخرى بمعزل عن السياق الوطني الأوسع، أو اختزال ذلك في مفاهيم شخصية مثل «التخبيب»، التي لا تنسجم مع روح التحول المؤسسي القائم على الجدارة والتمكين.

فقد أقرت الجهات المعنية برنامج استقطاب الكفاءات المميزة ضمن سياسات التمكين الحكومي، الذي يُعد أحد برامج الرؤية المعتمدة، ويهدف إلى تعزيز الجدارة في إشغال المواقع القيادية وتسريع تطوير الجهاز الحكومي واستثمار الطاقات الوطنية التي أثبتت تميزها. وعليه، فإن انتقال الموظف المؤهل إلى جهة أخرى تُقدّر كفاءته وتمنحه عرضاً وظيفياً أعلى، لا يُعد تخبيباً وظيفياً، بل ممارسة نظامية محكومة بضوابط التدرج الإداري والتنافسية العادلة.

لا لوم على الجهة المستقطبة

في رأي الدكتور سعد المالك، أن التجربة العملية تشير إلى أن عدداً من الكفاءات الوطنية التي انتقلت إلى جهات أخرى، سواء مستشارين أو مديري إدارات، استطاعوا تقديم قيمة مضافة نوعية وتحقيق إنجازات لم تُتح لهم سابقاً وتوظيف مهاراتهم بشكل أكثر فاعلية، فالانتقال من موقع إلى آخر مقابل مادي أعلى لا يمثل خسارة للجهة السابقة بقدر ما هو مكسب للجهة المستقطِبة التي طوّرت من أدائها وقدرت للموظف الذي أثبت تميزه واستحقاقه، كما أنه إضافة للوطن الذي يستفيد من الكفاءات في مواقع أفضل، ويجب ألا يقع اللوم على الجهة المستقطِبة، بل على الجهة التي فشلت في الاحتفاظ بالكفاءة، ولم تُفعّل أدوات التحفيز والتطوير المؤسسي، وعلى كل جهة تملك كفاءات مميزة أن تتبنى سياسات مرنة في الترقيات والمكافآت واستخدام أدوات استبقاء ذكية غير تقليدية.

راكان ومطعم الوجبات

يقول راكان العتيبي كنتُ أعمل في أحد مطاعم الوجبات السريعة، وبعد أربع سنوات وجدت فرصة أفضل من السابقة في جوانب الراتب والمميزات حتى الدوام تغيّر إلى الأفضل؛ لذلك الانتقال من موقع لآخر ليس تخبيباً، بل رغبة في تحسين المستوى المعيشي، وهذا ينطبق على لاعبي كرة القدم والمدربين والقيادات المختلفة للشركات.

هل هو تحريض أم إغراء؟

المستشار التربوي والتعليمي نايف عون البركاتي، يرى أنه في بعض الأحيان قد لا توجد ضوابط للعقود، ولا علاوات سنوية أو رقابة أو كادر وظيفي، مشيراً إلى أنه في حال وجود عروض وظيفية أو زيادة مالية قد تشجع الموظف على الانتقال لتجربة بيئة عمل جديدة، ويجب أن يكون هناك كادر في القطاع الخاص الذي تكثر به التنقلات، والمأمول أن تمنح الفرص للشباب في تسلم مقاليد الإدارات العليا بعد أن أثبتوا نجاحاتهم، والأدلة في الميدان واضحة، وفي مقدمتها البنوك وشركات الأدوية والسيارات وغيرها، وقد يعاني الموظف من عوائق مثل ضآلة المرتب الذي لا يكفي لمواجهة أعباء الحياة خصوصاً في حالة النقل إلى منطقة الوظيفة الجديدة والبعيدة عن مقر السكن الأصلي.

الإعلامي عبدالله بن عيسى الشريف يقول: بلا شك أن الانتقال من موقع عمل لآخر له أضراره على المنشأة أو القطاع على حدٍّ سواء، بيد أن الواقع يفرض على الموظف البحث عن ما هو أفضل له ولمستقبله الشخصي ولمستقبل أسرته بصفة عامة شريطة أن يكون الانتقال الوظيفي للأفضل من جميع الجوانب خصوصاً الجانب المادي، وذلك عند نهاية عقده، وأعتقد أن حكاية التخبيب لا مكان لها في هذا الفعل؛ لأن الإنسان عادة ما يبحث عما يكون في صالحه، فالتخبيب من وجهة نظره هو تحريض على فعل أو ترك شيء وليس ما يقدم للموظف من عروض وظيفية جديدة.

أخبار ذات صلة

 




المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى