المضيفات.. سيّدات الغيم – أخبار السعودية – كورا نيو

منذ أن بدأت شركات الطيران التجاري رحلتها في بواكير القرن الماضي، كان وجود المضيفات جزءاً أساسياً من سلامة السفر الجوي وجاذبيته.
آمنت الشركات الناقلة مبكراً أن المنافسة تتطلّب تجربة سفر متكاملة يعيشها الراكب بكلّ حواسّه؛ لذلك اعتبرت المظهر الحسن والابتسامة المشرقة والخدمة الجيّدة، عناصر فارقة تؤثر في تفضيلات المسافرين، ووضعت مواصفات دقيقة لاختيار المضيفات من ناحية الطول والوزن والحضور، كذلك اهتمت بأزياء الطاقم لتكون أنيقة ومميّزة، مع التدريب على التحمّل والقدرة على التعامل مع مختلف المواقف بهدوء وحكمة.
ولأن الطيران كان وما زال فضاءً ساحراً بكافة تفاصيله، فقد أصبح وجود المضيفات بهذا الأدب والذوق والترتيب أحد أسرار الإعجاب الجماعي بهنّ عبر التاريخ وفي كل مكان.
عالمة النفس «هودي جيمس» قدّمت تفسيراً لافتاً لهذه الظاهرة، إذ رأت أن أكثر الرجال إعجاباً بالمضيفات هم أولئك الذين يشعرون بالقلق أثناء الطيران، وتعزو ذلك إلى أن الذاكرة غير الواعية تستدعي لحظة الطفولة، إذ يكون الطفل مجبراً على الجلوس بمكانه وانتظار من يقدّم له الطعام ويشعره بالطمأنينة؛ لذا (في لحظات من الرحلة) تصبح المضيفة بالنسبة للمسافر صورة من صور الأمان وملاذاً نفسياً بين السحاب.
الأستاذ عبدالرحمن المعمر رحمه الله، تناول هذه الأبعاد في كتابه «المضيفات والممرضات في الشعر المعاصر»، إذ جمع عدداً من القصائد التي تغنّى فيها الأدباء بالمضيفات باعتبارهن رمزاً للرقّة والأناقة، ولم يكن الأدب وحده من التقط هذه الصورة، بل السينما أيضاً، إذ قدّمت المضيفة في كثير من الأفلام كقصة صعود اجتماعي مليئة بالرومانسية والدهشة، وأصبحت بطلة خيال جماعيّ فُتِنَ بالجمال والانطلاق والسفر.
خلف هذه الصورة اللامعة هناك واقع لا يخلو من صعوبات، فالإحصاءات تشير إلى أن نحو 68% من المضيفات حول العالم تعرّضن لشكل من أشكال التحرش اللفظي أو غير المباشر، رغم القوانين الصارمة التي تفرضها التشريعات الدولية لحماية الطاقم، ومع ذلك فإن المضيفات مدربات على مواجهة مثل هذه المواقف بوسائل متعددة تبدأ من التجاهل الذكي، مروراً بالتوجيه الحازم، وصولاً إلى الإبلاغ الرسمي متى تطلب الأمر.
اليوم، يُقدّر عدد المضيفات في العالم بأكثر من 400 ألف مضيفة يحلّقن عبر آلاف الرحلات يومياً، يزرعن الدفء بالأجواء ويحملن معهن قصصاً صغيرة تختزل رواية الطيران المثيرة، ومن أبرز هذه القصص ما تجسّده الأمريكية «بيت ناش» التي عُرفت كأقدم مضيفة في العالم بعد أن واصلت عملها 67 عاماً كاملاً، قبل وفاتها العام الماضي عن عمرٍ يناهز 88 سنة، في مشهد يلخّص عظمة هذه المهنة وعمق أثرها.
المضيفات لم يكنّ يوماً مجرد موظفات أنيقات يقدّمن الخدمة للمسافرين، بل أيقونات ثقافية ألهمت الشعراء والفنانين، وأضفت على السفر بعداً إنسانياً يجعلهن بحق «سيدات الغيم»
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات