أخبار العالم

تقديس العيش – أخبار السعودية – كورا نيو



دائماً ما أعود إلى عالم الطفولة والذكريات لأنها المخزون الذي يغذي هذه الكتابة.

مما أذكره -من عالم الطفولة- هو تقدير الخبز (العيش) بأنواعه، حيث تعلمنا ونحن أطفال عدم رمي العيش، أو العبث به، والمشاركة في رفع نثار العيش الساقط على الأرض، وقد كانت ثقافة البيت الغذائية تقوم على حفظ العيش وصونه في مكان نظيف، وإذا سقط قرص العيش أو كسرة منه على الأرض، ترفع بوقار وتقبل مع ترديد الحمد والشكر لله.

هذا التقدير للخبز قد يكون عائداً إلى الأزمات الاقتصادية والجوع، فقديماً تعيش المجتمعات الزراعية والرعوية على ما تجود به السماء من مطر وسيول، فإذا انقطعت يصبح الجميع في مهبِّ الهلاك، لذلك لا يستغرب هذا التقدير للخبز من الأجيال السابقة.

إذا عدت بمسألة التقدير للخبز إلى كونها من بقايا تقديس الحبوب -قديماً- التي كانت تمثل جزءاً من منظومة الخصب، فهذا افتراض قابل للسؤال والبحث.

في الوقت الحاضر بقيت في جازان أكلة تسمى (العزبة) ولعل فيها من بقايا تقدير الخبز، والكتابة عن (العزبة) بقدر ما هي تحفيز للذاكرة بقدر ما اللغة تسقي شجرة الروح.

(العزبة) بفتح العين وسكون الزاي؛ هي أكلة مؤلفة من بقايا طعام الغداء أو العشاء.

لقد جرت العادة في بيوت جازان بعدم رمي أي شيء من بقية الطعام، فالأخلاق والدين تأمر بذلك، والحالة الاقتصادية كانت تجبر الناس على حفظ وتدوير بقايا الطعام، لذلك كانت (العزبة) شكلاً آخر من لذة الطعام.

تتكون (العزبة) من بقايا الخبز (العيش) المخمر الحامض والمرق واللحم، أو بقايا السمك والسليط، تجمع المكونات في قدر وتقلب حتى تغدو خليطاً وتحفظ كطعام يؤكل في المساء أو صبح اليوم الثاني، وعندما عرف الناس الرز أضيف إلى العزبة، وكذلك بقية أدم الخضار، والحلبة، ويشترط في (العزبة) زيادة كمية الخبز الخمير على بقية المكونات، فالخمير يحفظ (العزبة) من التعفن.

طبعاً لو سألني سائل: هل حفظ بقية الأكل من خلال (العزبة) يعود إلى تقديس الحبوب في الأزمان الغابرة، أو يعود لعوامل اقتصادية؟

سيكون جوابي: لا أعرف عن البعد المقدس، لكن بالنسبة للعوامل الاقتصادية أقول: مثلما المطابخ الغنية تبتكر أكلاتها، كذلك المطابخ الفقيرة تبتكر أكلاتها ومنها (العزبة).

أخبار ذات صلة

 


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى