أخبار العالم

داغستان بلدي.. شاعرية الذكريات – أخبار السعودية – كورا نيو



«موضوعي هو الوطن، ليس علي أن أبحث عنه وأختاره. لسنا نحن الذين نختار وطننا، بل الوطن هو الذي اختارنا منذ البداية. لا يمكن أن يكون هناك نسر دون سماء، ولا جبل دون صخرة.. وطائرة دون مطار. كذلك لا يمكن أن يكون كاتب دون وطن».

رسول حمزاتوف

حينما أقرأ عملاً يحدثني عن بلد لا أعرفه أشعر بفضل المترجمين علينا، أشعر وكأنني رجل أعمى يقوده رجل مبصر دقيق الوصف في رحلة جميلة مبهرة تحول كل ذلك الظلام الذي صنعه العمى إلى عالم مشرق جميل.

هذا العمل الذي بين يدي هو (داغستان بلدي) للشاعر الكبير رسول حمزاتوف؛ الذي صنع بشاعريته الجذابة وحبه الشديد لوطنه عملاً خالداً يأخذ القارئ في رحلة لا تمل عبر حكايات وحكم ترسخ في الذاكرة عن وطن أحبه شاعر، فكتب عنه أجمل قصائده ودوّن من أجله أجمل ذكرياته.

رسول حمزاتوف شاعر من داغستان وُلد ونشأ في قريته (تسادا) ثم رحل ليعيش حياته في العاصمة الروسية موسكو.

والده كان شاعراً معروفاً في داغستان اسمه حمزة تساداسا نسبة إلى قريته تسادا، وأطلق على ولده اسم رسول تيمناً بالرسول محمد عليه السلام.

الكتاب (داغستان بلدي) كُتب تلبية لطلب صحيفة داغستانية طلبت من رسول كتابة مقال عن وطنه، لكن ذلك المقال تحول إلى مشروع كتاب تعدى الخمسمائة صفحة.

كان ردّه على الصحفي الذي طلب منه كتابة الموضوع: «عزيزي محرر المجلة سألبي الطلب الذي تضمنته رسالتك. وسأبدأ عما قريب كتاباً عن داغستان. لكن اعذرني، فالوقت الذي حددته لي قد لا يكفيني».

ويلخص رسول فكرته عن كتابه هذا فيقول: «وكتابي إذا كتبته لن يشبه كتاباً مدرسياً عن داغستان، سأخلط العصور، ثم آخذ جوهر الأحداث التاريخية، جوهر الشعب، جوهر كلمة داغستان ولهذا السبب يجب أن أسمي كتابي: (داغستان بلدي) حتى تكون التسمية أدق، لا لأن داغستان تخصني وحدي، بل لأن تصوري لها يختلف عن تصور الآخرين، وهكذا قررت. ستكتب على الغلاف: (داغستان بلدي)».

حينما يكتب الكاتب عن وطنه فهو يتحدث عن ذكرياته وأهله ومحيطه، ولذا يشعر بملكية المكان وأهمية الزمان وتأثير كل ذلك عليه ثم على الآخرين، إنه يعود بذاكرته إلى اللحظات الأولى التي لامست مشاعره، إلى تلك الأحداث التي صنعت شخصيته، إلى أولئك الأشخاص الذين أحدثوا تأثيراً في تلك الأحداث أو صنعوا تلك الأحداث بمواقفهم أو بآرائهم.

تكمن أهمية الكتاب في كونه رحلة أنيقة في جبال داغستان ومع إنسان داغستان، ذلك الإنسان الحكيم الذي يلقي الحكمة والشعر طالما هو يتحدث.

يتحدث عن أهمية اللغة -اللغة الأم تحديداً- في صناعة هوية الإنسان وحقيقة جوهره فيقول: «فإذا فسدت لغتي الأم وأصبحت باردة، غير مفهومة ومملة، وباختصار، إذا أفسدت لغتي الأم فسيكون هذا بالنسبة لي أفظع شيء في حياتِي».

إن اللغة مهمة جداً في الحديث عن الوطن، إنها بمثابة التضاريس التي شكلت حدود الوطن، بل إنها هي الشيء الوحيد الذي يصنع العلاقة بين شعب ذلك الوطن، تماماً كما هي صلة القرابة بينهم.

نستطيع أن نعرف داغستان من خلال قول الكاتب: «هذه هي داغستان التي تحب الشرق، لكن الغرب ليس غريباً عنها.. إنها كشجرة تضرب بجذورها في تربة القارتين».

يكتب عن الأغنية في داغستان وكأنها جزء من الخطاب اليومي، إنها بالنسبة إليه أداة تعبير ووسيلة قوية للوصول إلى عقول وأذهان الناس.

حينما تقرأ (داغستان بلدي) تشعر برغبة شديدة في العودة إلى ذكرياتك الصغيرة التي شكلت هويتك وصنعت ذائقتك، تلك التفاصيل التي كان فيها المكان والإنسان والموروث والعادات والتقاليد مؤثراً عظيماً لم تشعر بتأثيره إلا بعد أن وصلت إلى ذروة التغيير في ذاتك.

لا شك عندي في أن قراءة هذا الكتاب ستكون رحلة ممتعة وثرية وسيحتفظ القارئ بالكثير من الاقتباسات المهمة والحكم التي لن تفارق ذاكرته.

أخبار ذات صلة

 




المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى