شيطان الشهرة والنهايات الحزينة! – أخبار السعودية – كورا نيو

يبدو أن الشهرة في منصات التواصل الاجتماعي باتت تُشبه إلى حد بعيد الرواية الغربية الكلاسيكية التي يظهر فيها الشيطان ليعرض على الإنسان نعيماً مؤقتاً مقابل «بيع روحه»، ثم ما يلبث أن يتحوّل هذا النعيم إلى لعنة تلتهم كل شيء.
فالتجارب التي نشاهدها أمام أعيننا كل يوم تثبت بالدليل القاطع أن شهرة الأغلبية ممن تصنعهم هذه المنصات لا تدوم. بل إن لها «مدة صلاحية» قصيرة غالباً لا تتجاوز بضع سنوات، ثم تبدأ الآلة الرقمية في التهامهم الواحد تلو الآخر.
يَسْتَهلكهم الجمهور، يرفعهم إلى القمة مؤقتاً، ثم يسحب البساط من تحتهم بلا سابق إنذار.
الأسوأ من ذلك، أن محاولة العودة تصبح أكثر مرارة من الاختفاء نفسه؛ فالجماهير الجديدة التي لم تعش زمن شهرتهم الأولى ستسخر منهم وتُنَكِّل بهم عبر التنمر الجماعي، ثم تتجاهلهم كأنهم لم يكونوا يوماً في واجهة المشهد.
أحزنني مؤخراً ظهور أحد المشاهير السابقين، ممن لمع نجمهم قبل نحو عشر سنوات، وهو يستجدي الناس بشكل غير مباشر لبعث الحياة في أوردة مشروعه التجاري، ذلك المشروع الذي كان ذات يوم وجهة لكبار المؤثرين، ويعجّ بالحضور والطلب، لكن مع مرور الوقت، تلاشى البريق.
فالمشاهير الذين كانوا يدعمونه لم يعودوا مؤثرين، والجماهير الجديدة لا تعرفه ولا تعرفهم. لم يتغيّر شيء سوى الزمن، والزمن لا يرحم من يركن إلى النجاح العابر.
المشكلة الأكبر أن هذا الشاب بنى مشروعه على أساس هشّ: نموذج عمل يعتمد كلياً على دعم شهرته الشخصية. وعندما تلاشت هذه الشهرة، انهار البناء من أساسه. وحتى الحملات الإعلانية التي يطلقها اليوم تُذكِّر الناس بأن مشروعه كان «محطة مشاهير زمان»، وكأنها تعترف ضمنياً أن كل ما تبقى مجرد أطلال لزمن مضى.
هذا المشهد الحزين ليس نادراً، بل أصبح متكرراً على نحو يدعو للقلق. ففي حين يركض الكثيرون خلف الأضواء دون تفكير، يفشل معظمهم في إدراك أن الشهرة سلاح ذو حدين: تُضيء لك الطريق فترة، ثم تحترق أنت بزيتها إن لم تكن مستعداً لما بعد انطفائها.
المأساة الحقيقية أن كثيراً من المشاهير يظنون أن بريقهم لن يخفت أبداً، وأن الجماهير ستبقى مخلصة لهم إلى الأبد. لكن الحقيقة مختلفة تماماً. فهذه الجماهير نفسها تلاحق الجديد دائماً، وتتخلى سريعاً عن القديم.
من هنا تأتي أهمية التفكير الاستراتيجي منذ اللحظة الأولى للنجاح. فالشخص الذكي لا يرى الشهرة هدفاً نهائياً، بل بوابة عابرة تُتيح له فرصاً ذهبية لبناء مستقبل أكثر استقراراً. عليه أن يستغل الأرباح التي تدرها عليه الشهرة في شراء أصول ثابتة، ويبتعد تماماً عن المشاريع التي ترتبط مباشرةً بشخصه وشهرته، لأن مثل هذه المشاريع تصبح عبئاً ثقيلاً حين يتراجع اسمه عن العناوين.
الشهرة ليست ضماناً للمستقبل، فقد تصبح فخاً قاتلاً إذا انسقت خلف وهجها دون تخطيط. والفرق بين النجاح الحقيقي والفشل الذريع هو: هل ستستخدم الشهرة كأداة لبناء شيء يدوم؟ أم ستكتفي بالركض خلف التصفيق حتى ينطفئ المسرح وتبقى وحيداً في الظلام؟
الدرس الأهم الذي تقدّمه لنا قصص المشاهير المنطفئين هو أن الشهرة لا تساوي القيمة الحقيقية ما لم تُترجم إلى مشاريع واقعية مستدامة. النجاح الحقيقي ليس في أن يعرفك الملايين، بل في أن تملك شيئاً لا يمكن للضوء أن يسلبه منك حين ينطفئ.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات