أخبار العالم

ورش السيارات وافدة وأعطال وتلاعب – أخبار السعودية – كورا نيو



تشهد ورش السيارات المنتشرة في مواقع المدن الصناعية جدلاً متزايداً حول جودة الخدمات وارتفاع تكاليف الإصلاح، وسط هيمنة عمالة وافدة، رغم أن إحصاءات المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني تشير إلى أن عدد خريجي الكليات والمعاهد التقنية في 1445هـ تجاوز 92 ألف خريج وخريجة في مختلف التخصصات؛ ما يفتح الباب أمام عدم الاستفادة من هذه الطاقات الوطنية في تطوير القطاع.

هذا الواقع جعل البعض يتساءل: أين أبناؤنا من خريجي كليات التقنية؟ خصوصاً أن ورش السيارات تدرّ مكاسب مادية كبيرة، فيكفي أن تذهب بسيارتك إلى إحدى الورش وبعد نصف ساعة تتسلمها مقابل مئات الريالات لعامل الورشة الوافد.

وهكذا هو الحال في ورش السيارات؛ ساعات قليلة مقابل أموال كثيرة، ما حدا بالبعض للمطالبة بشدة ألّا تكتفي الكليات ومعاهد التقنية بالتدريب والتخريج، بل بالتوظيف وإتاحة الفرص في ورش المناطق الصناعية وتوطينها.

ممارسة المهنة

أوضح عبدالمحسن العتيبي (خريج كلية تقنية قسم الميكانيكا)، أنه منذ تخرجه لم يجد مؤسسة ميكانيكية يمارس مهنته فيها. وأشار سلطان الزهراني (خريج قسم كهرباء) إلى أن «الورش الكبيرة وأقسام الكهرباء فيها تفضل العامل الوافد، رغم إتقاني العمل عبر تدريب مكثف استمر عامين، وفصل دراسي للتطبيق العملي».

وذكر فيصل الشهري، وعبدالرحمن العتيبي، أنهما -كخريجين- لديهما كفاءات عالية في سرعة كشف الأعطال وإصلاحها وبأسعار مناسبة.

من جهتهم، كشف مواطنون أنهم ذهبوا ضحية عمالة تتعلم الإصلاحات.

وقال نواف الروقي: «تعرّضت سيارتي لعطل مفاجئ وعند ذهابي لإحدى الورش وجدت (أيوب – باكستاني الجنسية)، وبعد الكشف أبلغني أن العطل يكمن في ضرورة تغيير (طرمبة البنزين)، وقام على الفور بتغييرها بمبلغ نحو ٤٠٠ ريال، مع كلفة الميكانيكي، ليتضح لاحقاً أن (الطرمبة) لم يكن يوجد بها خلل، وبعد المرور على عدد من الورش اتضح أن المشكلة في أحد الحسّاسات الذي لم يكلف سوى ٥٠ ريالاً».

وتساءل فارس سلطان عن عدم وجود سعوديين في هذه الورش، بينما قال محمد الزهراني: «مهنة الميكانيكا أو الكهرباء تدرّ أرباحاً هائلة لا تقل عن ١٠٠٠ ريال كدخل يومي».

وأشار محمد خان -من باكستان- إلى أنه اكتسب (الصنعة) من عمه في إحدى الورش، وقال إن عمه في الموقع منذ ٢٠ سنة. وأضاف الهندي سلطان (كهربائي): «كثير من الأعطال يتم التعرّف عليها بالممارسة، وأنا الآن من كبار الكهربائيين».

ارتفاع التكاليف

الدكتور عبدالعزيز العثمان عبر حسابه في (X)، شرح موقفاً يكشف التلاعب بالأسعار في إحدى الورش، وقال: «أخذت سيارتي للورشة لإصلاح عطل، وبعد الفحص ذكر لي عامل الورشة (من جنسية عربية) أن تكلفة الإصلاح 2500 ريال مع احتمال تبديل القطعة بمبلغ 12 ألف ريال».

وأشار العثمان إلى أنه نقل مركبته بـ(السطحة) إلى خارج الرياض نحو ورشة صاحبها سعودي، وقام بإصلاحها بمبلغ 150 ريالاً فقط، «هذا الأمر تكرر أيضاً مع سيارة العائلة». متسائلاً: «من يضبط ذلك التلاعب والخداع؟»، ومقترحاً وجود مرجع لتقدير إصلاح الميكانيكا والكهرباء كما هو الحال في السمكرة، إضافة إلى تشجيع الشباب السعوديين على تشغيل الورش وإدارتها.

نماذج سعودية

أثبتت الفتاة السعودية ريم الحسن، جدارتها في أعمال الكهرباء والبرمجيات، لتقوم بافتتاح أول ورشة متخصصة في الكهرباء والبرمجيات في تبوك (شمالي المملكة).

وفي جدة، برز اسما أنغام جداوي وعلاء فلمبان؛ وفقاً لتقارير سابقة رصدت كفاءتهما في أعمال الميكانيكا بإحدى الورش المعروفة، ما يعكس قدرتهما على كشف أعطال الميكانيكا وإصلاحها. ونجح شاب سعودي في مشروع (الورشة المتنقلة) وحصد إعجاب الكثيرين لدقة العمل في الإصلاح ومناسبة الأسعار.

وظائف نوعية

خبيرة ريادة الأعمال الدكتورة منى الزهراني، ذكرت أن «قطاع ورش السيارات رغم ربحيته العالية، ما زال يعتمد بشكل شبه كامل على العمالة الوافدة، في حين يغيب حضور الخريجين السعوديين المتخصصين». وأشارت إلى أن ذلك يعود إلى ممارسات احتكارية خلقت بيئة عمل طاردة للشباب، رغم أن تخصصاتهم التقنية تهيئهم للتميز والإبداع.

وأكدت الزهراني أن قطاع ورش السيارات ليس مجرد مهنة تقليدية، بل فرصة استثمارية قادرة على خلق وظائف نوعية وعوائد عالية، داعيةً إلى تمكين الشباب السعوديين بما يمتلكونه من علم وطموح ليكونوا رواد هذا المجال، وإعادة تشكيله من بيئة محتكرة إلى ساحة ابتكار وطنية تسهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.

كشف الأعطال

ويوضح رئيس قسم الميكانيكا بالكلية التقنية بالطائف المهندس ياسر الشربي، «أن الدولة أولت اهتماماً كبيراً بتطوير قطاع التدريب التقني والمهني، وهو ما يعزز ضرورة الاستفادة من خريجي الكليات التقنية في هذه الورش، فهم يملكون تأهيلاً أكاديمياً وتدريباً عملياً يضمن جودة التشخيص والإصلاح، ويسهم في رفع مستوى الثقة بين العميل والورشة، ويحد من الهدر المالي والوقت، كما أن دعم الكفاءات الوطنية المؤهلة يسهم في تطوير قطاع الصيانة، والحد من العشوائية التي قد تؤدي إلى تكرار الأعطال وتعريض فائدة المركبة للخطر». موضحاً «إن تكرار أعطال السيارات بعد صيانتها يعود غالباً إلى غياب التشخيص الدقيق وضعف خبرة بعض العمالة في الورش، وكشف الأعطال يتطلب الاعتماد على أجهزة فحص حديثة مرتبطة ببرامج الشركات المصنعة، إضافة إلى الفحص اليدوي الميداني من قِبل فني لديه معرفة بأساسيات الميكانيكا والكهرباء».

كفاءة السعوديين

المختص في الموارد البشرية زياد السليس، قال إن ورش السيارات في المملكة تعاني من سيطرة العمالة الوافدة غير المؤهلة، وما يصاحبها من تلاعب بالأسعار والتشخيص الخاطئ واستغلال المواطنين والمواطنات. وأضاف: «آلاف الخريجين من كليات ومعاهد التقنية أثبتوا كفاءتهم في كبرى الشركات الوطنية، موضحا ان أن الحل الأمثل لمعالجة هذه الفوضى يكمن في تمكين خريجي الكليات التقنية من العمل في الورش، مستفيدين من برامج الدعم الحكومية مثل «تمهير» الذي يمنح المتدرب 3,000 ريال شهرياً خلال فترة التدريب، وبرنامج دعم التوظيف الذي يغطي حتى 30% من الأجر لمدة عامين، ما يتيح تحويل التحدي إلى فرصة وطنية من خلال توطين القطاع، وضبط الأسعار، ورفع معايير الجودة والسلامة، وحماية حقوق المستهلك، مع توفير آلاف الوظائف للشباب المؤهلين.

شراكات إستراتيجية

ويشخّص رئيس إدارة البيئة بالاتحاد العالمي الإسلامي للكشافة والشباب الدكتور فهد عبدالكريم تركستاني مشكلة عدم تواجد خريجي التقنية في هذه الورش، بقوله: من الضروري الزام الوكالات الكبرى بتوظيف خريجي التقنية كشرط لتجديد تراخيصها، وعقد اتفاقيات بين الوكالات والورش لتدريب وتأهيل الشباب السعوديين، وشهادات اعتماد بإنشاء برنامج (الورشة المعتمدة) بإدارة سعوديين مؤهلين، ما يجعل العملاء يثقون بها أكثر من الورش غير المنظمة.

رئيس إدارة البيئة بالاتحاد العالمي الإسلامي للكشافة والشباب الدكتور فهد عبدالكريم تركستاني، يشير إلى أن العزوف عن العمل في ورش السيارات ليس نتيجة ضعف الكفاءة لدى خريجي التقنية، بل نتيجة تداخل عوامل اجتماعية واقتصادية وتشريعية، والحل يكمن في حزمة إصلاحية متكاملة تعيد الاعتبار لهذه المهن، وتفتح للشباب السعوديين آفاقاً مهنية واعدة تسهم في تحقيق مستهدفات سوق العمل ورؤية المملكة 2030.

تخصصات حديثة

الدكتور فهد تركستاني، ألمح في حديثه لـ«عكاظ» إلى: أن على المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، دوراً مهماً في تطوير المناهج بإضافة تخصصات حديثة مثل السيارات الكهربائية والهجينة، وأنظمة الحساسات، والبرمجة الإلكترونية للسيارات، وتدريب الطلاب على أجهزة ومعدات حديثة مشابهة لتلك في وكالات السيارات، والتدريب الميداني الإلزامي؛ جعل 30-40% من البرنامج التدريبي في ورش معتمدة بالتعاون مع القطاع الخاص، مع مكافآت إضافية للطلاب أثناء التدريب العملي لتحفيزهم، واعتماد برامج ريادة الأعمال بإدخال مادة «إدارة الورش الصغيرة» ضمن المناهج، وربط الخريج مباشرة ببنك التنمية الاجتماعية لتمويل ورشة خاصة به بعد التخرج، بعدها يأتي دور المجتمع والإعلام في رفع صورة المهنة اجتماعياً عبر حملات إعلامية تُبرز قصص نجاح شباب سعوديين فتحوا ورش سيارات ناجحة.

تساؤلات حول عزوف الشباب

رئيس إدارة البيئة بالاتحاد العالمي الإسلامي للكشافة والشباب الدكتور فهد تركستاني، شدد على ضرورة معالجة ضعف حضور خريجي الكليات التقنية المتخصصين في ميكانيكا السيارات والكهرباء والسمكرة في ورش السيارات مقارنة بسيطرة العمالة الوافدة التي تتحكم بالأسعار وبتقديم الخدمات، ما يثير تساؤلات حول أسباب عزوف الشباب السعودي عن هذه المهن الحيوية والتي يراها من وجهة نظره تطلع بعض الشباب لوظائف مكتبية هرباً من نظرة البعض للعاملين في ورش السيارات بسبب الزيوت والشحوم والانشغال الدائم في الورشة وعدم وجود الوقت للجلوس مع الأسرة والزيارات والواجبات الاجتماعية.

وتمنى تركستاني معالجة عزوف الشباب السعوديين عن مهن ورش السيارات، من خلال التوطين التدريجي المدروس، بفرض نسب توطين سنوياً، وإلزام الورش الكبيرة بوجود مشرف أو مدير فني سعودي مؤهل، إلى جانب نظام تصنيف مهني باعتماد شهادة (فني سيارات) من المؤسسة العامة للتدريب التقني شرطاً للعمل في المهنة، واعتماد حوافز مالية، ودعم رواتب السعوديين العاملين في الورش (من خلال برنامج دعم التوظيف)، وإعفاءات ضريبية وزكوية للشباب الذين يفتحون ورشاً خاصة.


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى