أرقام كرة القدم.. من يصنع الأسطورة؟! – أخبار السعودية – كورا نيو

منذ أن دخلت الأرقام لعالم كرة القدم بدءًا بتلك التي تخص نسب الاستحواذ والتمريرات والفرص المهدرة وغيرها مما يقول بها خبراء التحليل الرياضي، ومروراً بتلك التي تخص أرقام بطولات الأندية والمنتخبات، وانتهاءً بأرقام مباريات وأهداف اللاعبين التي تكفلت بها «اللجان» مؤخراً… أقول إنه ومنذ ذلك الحين وكرة القدم تشكو من عقم الإبداع الحقيقي الذي عرفناه في شخصيات (تأسطرت) دون أن نحفظ لها عدد المباريات التي لعبت مع منتخباتها ولا عدد الأهداف التي سجلت، ومع ذلك فهي شخصيات لازلنا نتذكرها ونذكرها ولا يمكن لنا أن نصنفها بتصنيف غير (الأساطير الكروية) ودون الإختلاف على ذلك.
هذه الشخصيات أو هؤلاء الأساطير تصالحت كل الجماهير مع أسطوريتهم دون اللجوء إلى رأي محلل أو (إعلامي) رياضي، حيث كانت الجماهير حينها واعية وشغوفة للحد الذي يجعلها قادرة على تقييم المعنى الحقيقي للاعب المبدع الذي يستحق لقب الأسطورة، ولعل الحالة الفنية والذائقة الرفيعة التي كانت تعم المناخ الاجتماعي في العالم كله كان لها الدور البارز في الوصول بجماهير كرة القدم إلى التعامل معها كفن راقٍ يشبه التعامل مع لوحة فنية أو مقطوعة موسيقية لا تموت.
هذا الجو الفني العام انعكس على جودة اللاعبين ومهاراتهم رغم كل الظروف التي عاشوها، لكن ثمة اعتبارات أخرى مثل التقلبات السياسية التي شهدها العالم جعلتهم يصمدون ويبذلون كل ما لديهم من أجل رسم (فرحة عابرة) على وجوه جماهيرهم التي رأت فيهم أبطالاً قوميين كما كانت ترى في منتخباتها عناوين عريضة للعزة والأنفة والفخر والاعتزاز؛ وكل هذا لم يكن بدافع جمع الأرقام القياسية بقدر ما كان بدافع احترام الجماهير وقبل كل ذلك حب المنتخبات التي أضحت أوطاناً على هيئة منتخبات.
لا شك أن المقارنة بين كرة القدم في ذلك الزمان وكرة القدم اليوم مقارنة جائرة، ولعل الأرقام التي تحدثت عنها في بداية المقال تشهد بذلك؛ لكن شهادة الأرقام -وللأسف- تُقبل عندي- أنا الكائن المسكين – في المساءل العلمية والإدارية وفي المصانع والمعامل وليست في الفنون الحضارية والإنسانية التي لا أرى كرة القدم إلا واحدة منها وبالتالي فإننا إذا قبلنا بها – أي هذه الأرقام – في كرة القدم فعلينا أن نقبل بها في الآداب والفنون التشكيلية والموسيقية، الأمر الذي يُحتّم علينا أن ننهي من خلالها خلافات جرير والفرزدق ونقيّم بها الفرق بين لوحات مايكل أنجلو ودافينشي لنجعل الأحكام الأخيرة مرهونة بيد (إعلامي) عتيق أو خبير أجنبي (ما بيتكلمش غير بالأرقام).
أخيراً: اغمض عينيك صديقي عاشق كرة القدم وتخيل ركضة مارادونا ووقفته المكتظة بالعنفوان اللذيذ؛ أغمض عينيك وتخيل الطمأنينة في لمسة زيدان الساحرة؛ أغمض عينيك وتخيل حسرة باجيو المؤلمة؛ أغمض عينيك وتخيل ألم حراس المرمى من خطوة ماجد؛ أغمض عينيك وتذكر تماماً أن هذه الأسماء ما استحالت إلا أسماء أسطورية إلا من خلال منتخباتها ومنتخباتها فقط.. ولا أزيد.
المصدر : وكالات



