أكاديمي يرصد جدلية المصالح والقيم.. فن التفاوض بين الفلسفة والدبلوماسية السعودية – أخبار السعودية – كورا نيو

قدّم الباحث عبدالعزيز القعيشيش معالجة أكاديمية جديدة لفن التفاوض، هذه المعالجة تتجاوز النظرة التقليدية التي تختزل التفاوض في كونه مجرد تقنية سياسية.
القعيشيش يرى أن التفاوض هو انعكاس فلسفي لصراع إنساني دائم بين العقل والعاطفة وبين المثالية والبراغماتية وبين الأخلاق والقوة.
في دراسته الأخيرة استحضر نماذج فلسفية كبرى من فكر كانط ومكيافيلي ونيتشه، لكنه لم يكتفِ بالإطار النظري بل وظّف هذه الرؤى في قراءة واقعية للتجربة السعودية.
ولعل أبرز ما يميّز بحثه هو اعتماده على نموذج الأمير بندر بن سلطان حيث قدّم مثالاً حياً لعبقرية التفاوض السعودي على الساحة الدولية.
يُظهر القعيشيش أن فلسفة الأمير بندر تقوم على تحويل التناقضات إلى فرص وبناء التحالفات بدلاً من الاكتفاء بالمساومات.
وهكذا يؤكد القعيشيش أن للمملكة العربية السعودية مدرسة تفاوضية خاصة قوامها الحكمة والمرونة والصدق، مدرسة تستحق أن تُدرّس عالمياً كنموذج يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
التفاوض: صراع بين المثالية والبراغماتية
يرى البحث أن التفاوض ليس مجرد وسيلة لإبرام الاتفاقيات، بل هو انعكاس لصراع دائم بين القيم المثالية مثل العدالة والشفافية والالتزام الأخلاقي، وبين البراغماتية القائمة على المرونة وتحقيق المصالح العملية. جوهر النجاح يكمن في الجمع بين الاثنين؛ خطاب مثالي يمنح الشرعية والاحترام، وقرارات واقعية تحقق النتائج.
الأمير بندر بن سلطان.. مدرسة سعودية في التفاوض
يضع البحث الأمير بندر بن سلطان كنموذج بارز لعبقرية التفاوض السعودي، إذ جمع بين القيم الوطنية والأخلاقية وبين البراغماتية السياسية.
• لعب دوراً محورياً في الحرب الباردة، وأزمة الخليج، واتفاق الطائف.
• وصفه قادة أمريكيون بأنه رجل «يعرف متى يضغط ومتى يلين».
• ترك إرثاً دبلوماسياً يمزج بين القوة الناعمة وبناء الثقة والبراغماتية السياسية، مما أسس مدرسة سعودية قائمة بذاتها.

صلح الحديبية: مرجعية إسلامية خالدة
يستحضر البحث صلح الحديبية كنموذج تاريخي لفن التفاوض، إذ مثّل؛
• مرونة إستراتيجية بقبول تنازلات مرحلية.
• اعترافاً متبادلاً بدولة المدينة الناشئة.
• التزاماً صارماً بالاتفاقيات عزّز المصداقية.
• تمهيداً لفتح مكة كنصر إستراتيجي.
ويقارن البحث هذا النموذج باتفاقيات حديثة مثل كامب ديفيد وأوسلو والاتفاق النووي الإيراني، ليؤكد أن جوهر التفاوض ثابت عبر العصور وضع نواته الرسول صلى الله عليه وسلم.
التفاوض متعدد الأطراف.. بين كانط ومكيافيلي ونيتشه
يحلل البحث التفاوض متعدد الأطراف باعتباره ساحة لتشابك القيم والمصالح؛
• كانط: الشرعية الأخلاقية.
• مكيافيلي: المصالح والتحالفات.
• نيتشه: إرادة القوة.
وتُظهر التجربة السعودية قدرتها على الموازنة بين هذه الأبعاد في ملفات الطاقة، والمناخ، والأمن الإقليمي.

التفاوض في عصر الذكاء الاصطناعي.. فن المرحلة القادمة
يخلص البحث إلى أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل قواعد التفاوض، من خلال؛
• تحليل البيانات الضخمة والتنبؤ بسلوك الأطراف.
• المحاكاة لاختبار الإستراتيجيات.
• العقود الذكية عبر البلوك تشين.
• الواقع الافتراضي لتجاوز الحدود الجغرافية.
ويرى القعيشيش أن المفاوض الناجح في المستقبل هو من يستخدم هذه الأدوات دون أن يفقد البعد الإنساني والأخلاقي.
المدرسة السعودية.. أصالة ومعاصرة
تثبت الدراسة أن المملكة العربية السعودية تقدم نموذجاً فريداً في الموازنة بين الأصالة والمعاصرة؛ فهي تستند إلى إرث حضاري وقيمي عميق، وتتكيف مع متطلبات النظام الدولي الحديث. ومن خلال شخصيات مثل الأمير بندر، والأميرة ريما، والأمير خالد بن بندر، تواصل السعودية رسم ملامح مدرسة دبلوماسية خاصة بها تجمع بين الثوابت والمتغيرات.
توصيات البحث
• الاعتراف بالمدرسة السعودية في فن التفاوض كمنهج مستقل في الدراسات الدولية.
• اعتماد مسيرة الأمير بندر كحالة دراسية أكاديمية.
• توسيع المقارنات مع مدارس دبلوماسية عالمية.
• إدماج البعد الفلسفي في التدريب الدبلوماسي للشباب.
بهذا الطرح يبرز بحث عبدالعزيز القعيشيش أن التفاوض ليس مجرد أداة سياسية بل فلسفة متكاملة تعكس جدلية القيم والمصالح.. الماضي والمستقبل.. الإنسان والتكنولوجيا.
المصدر : وكالات



