أمين ساعاتي.. نموذج وطني ريادي – أخبار السعودية – كورا نيو

عميد المؤرخين الرياضيين العرب
حفظ تاريخ المملكة الرياضي
ألّف أول كتاب رياضي في تاريخ المملكة
رحل بعد مسيرة سبعة عقود لاعباً وحكماً ومؤرخاً وإعلامياً وأكاديمياً وإدارياً
كان دوماً غيوراً على بلاده مخلصاً لقيادة وطنه
ترك إرثاً قوامه متحف رياضي و50 كتاباً
لم يكن كاتباً للتاريخ الرياضي فحسب، بل كان من صنّاعه
إسهاماته الخلّاقة تعكس رؤية وطنية ومشروعاً معرفياً
أفنى حياته وكرّس جهده ونذر وقته وأنفق من ماله في سبيل توثيق تاريخنا الرياضي
مؤلفاته سدّت فراغاً كبيراً في مكتبتنا الوطنية والعربية ملتزماً فيها بقضايا وطنه وأمته
«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي». صدق الله العظيم.
كان وقع خبر وفاة شقيقي الغالي الدكتور أمين ساعاتي صاعقاً فاجعاً صادماً.. هز كياني واعتصرني الحزن وتحجّر الدمع في المآقي.. وأحسست كأن شيئاً لا يقدر بثمن انتزع مني.. فلقد كنت أتحدث معه قبل الوفاة بيومين، وسألته هل سبق أن هبط نادي الاتحاد..؟ قال أبداً، لكنه لعب على الهبوط مع نادي الشرق.. والسبب أن النقاط سحبت منه فأصبح في المركز الأخير والشرق أول أندية الدرجة الثانية.. وقال أنا كنت حاضراً جميع هذه المباريات.
فالدكتور أمين – رحمه الله – لم يكن مجرد أخ، بل كان وسيظل أبداً قدوتي ومثلي الأعلى.. وأستاذي ومعلمي، وهو الذي ربّاني وعلّمني، وهو الذي وجّهني وهو صاحب الفضل بعد الله في كل ما وصلت إليه.
كان نجماً متعدد المواهب
لم يكن الدكتور أمين – طيب الله ثراه – إنساناً عادياً، بل كان منذ صغره نجماً لامعاً متعدد المواهب.. مبدعاً خلاقاً في كل مجال خاض فيه.. في التعليم.. وفي العمل الوظيفي والأكاديمي وفي الإعلام وفي الرياضة وفي التاريخ والتوثيق.. وكان طوال مسيرته الحافلة بالعطاء والإنجاز نموذجاً وطنياً غيوراً على وطنه مخلصاً لقيادته.. يقول الأستاذ عبدالرحمن المشايخ المشرف العام على أكاديمية توثيق التراث الثقافي والحضاري في مقال له نشر بجريدة الجزيرة: «كان الدكتور أمين ساعاتي ريادة في التوثيق والإبداع والإنجاز وقدوة في النزاهة والمسؤولية والمهنية، فتجربة الدكتور أمين هي مشوار يتضمن عدة تجارب في تجربة واحدة وعدة مبدعين في مبدع واحد ومجموعة نجاحات في مشوار حافل وسلسلة إنجازات في سجل رجل واحد». ويضيف قائلاً: «إن الدكتور الساعاتي بإنتاجه الغزير في مجال التوثيق والدراسات فضلاً عن غزارة إنتاجه في المقالات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية عبر الصحف الورقية والإلكترونية تعكس فكراً ورؤية وطنية ومشروعاً إنسانياً معرفياً في التنمية والحضارة والتقدم الذي أثرى بها العقل بمعلومات مهمة، وسد بها فراغاً كبيراً في مكتبتنا الوطنية والعربية ملتزماً فيها بقضايا وطنه وأمته».
شغفه بالعلم وحصوله على الدكتوراه
ففي مجال التعليم.. كان شغوفاً بالعلم والتعليم.. فواصل تعليمه حتى بلغ أعلى مداه وتخلى في سبيل ذلك عن فرص عمل مرموقة.. حيث حصل على الثانوية من مدرسة الفلاح العريقة بجدة، ثم حصل على البكالوريوس في تخصص (الاقتصاد) من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ثم ابتعث لمواصلة دراساته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية حيث حصل على الماجستير من جامعة كاليفورنيا، وعلى الدكتوراه من جامعة كليرمونت.
.. وزيراً مفوضاً
وعلى المستوى الوظيفي العملي كان آخر منصب تولاه (وزيراً مفوضاً بجامعة الدول العربية).. ثم قام بالعمل الأكاديمي أستاذاً في الإدارة الرياضية لطلاب الماجستير بجامعة الملك عبدالعزيز.
نائب رئيس تحرير «عكاظ»
وفي مجال الإعلام يعتبر الدكتور أمين من الروّاد.. ويعد أحد مؤسسي جريدة «عكاظ» مع مؤسسها الراحل الأستاذ أحمد عبدالغفور عطار.. حيث كان أول مسؤول عن الرياضة في الجريدة منذ بداية صدورها، ثم تولى رئاسة القسم الرياضي بالجريدة في مراحل مختلفة، ثم أصبح مديراً للتحرير، فنائباً لرئيس التحرير.. ثم تركها ليواصل دراساته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان حتى وفاته -رحمه الله- عضواً في مجلس إدارة مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر.
نجم بارز في فريق الاتحاد والمنتخب السعودي
وفي المجال الكروي بدأ صغيراً في أشبال فريق الاتحاد، ثم ترقّى إلى فريق الدرجة الأولى ليصبح نجماً لامعاً شارك ضمن كوكبة النجوم الذين حققوا كأس الملك ثلاث سنوات متتالية 1378، 1379، 1380هـ. كما شارك ضمن منتخب المملكة في عام 1380هـ.
ولم يكتفِ بذلك، بل أتجه بعد اعتزاله للتحكيم.. حيث بدأ حكم درجة ثانية، ثم أصبح حكم درجة أولى وقام بتحكيم أهم المباريات.
ساهم في حفظ تاريخنا الرياضي
وفي مجال التأريخ والتوثيق الرياضي هو ليس فقط عميد المؤرخين السعوديين، بل هو كما وصفه المؤرخ الكويتي المعروف حسين البلوشي (عميد المؤرخين الرياضيين العرب).. هو مؤسس علم التأريخ الرياضي في بلادنا..
هو الذي ساهم في حفظ التاريخ الرياضي.. وهو الذي أصدر أول كتاب رياضي سعودي.. ألا وهو كتاب (الاتحاد في التاريخ) الذي صدر عام 1962م.
ففي مسيرة امتدت لنحو سبعة عقود حافلة بالإنجازات كرّسها لخدمة الرياضة والإعلام والتوثيق في المملكة.. فهو من الروّاد الذين وضعوا أسس تاريخ الحركة الرياضية في المملكة..
فلقد أفنى حياته وكرّس وقته وجهده وأنفق من ماله في سبيل توثيق تاريخ الحركة الرياضية في المملكة.. ووثقه في كتب منشورة.
ومن غيره يستطيع أن يكتب موسوعة تاريخ الحركة الرياضية في المملكة بهذا الحجم من المجلدات..
ومن أتى بعده أخذ منه ومن كتبه.
والحقيقة هي أن الدكتور أمين يفرق كثيراً عن غيره؛ لأنه يعتمد الأسس العلمية في التوثيق نظراً لخلفيته الأكاديمية.. ويفرق لأنه عاصر المؤسسين الذين أسّسوا الأندية، كما عايش القيادات الرياضية وكان قريباً منها.. ويفرق لأنه كان حاضراً شاهد عيان للأحداث الرياضية على مدى العقود.. ويفرق لأنه جاب جميع مناطق المملكة شمالها وجنوبها شرقها وغربها بحثاً وتوثيقاً للمعلومة الرياضية.. ويفرق لأنه نشر ما كتبه في حياة المؤسسين، ولم يعترض منهم أحد؛ لأن المعلومات منهم.. ويفرق لأنه ليس فقط شاهداً معاصراً لتاريخنا الرياضي، بل هو من صنّاع هذا التاريخ لاعباً وحكماً وإعلاميّاً واداريّاً وأكاديميّاً.
قدّم الكثير للوطن في مجال التوثيق
يقول الأستاذ المشايخ: «الدكتور أمين صاحب رؤية علمية منهجية جادة ورصينة، فقد قدم الكثير للوطن في مجال التوثيق الرياضي والاجتماعي، فهو شخصية استثنائية في المعرفة والمنهج. ورسالته في إبراز القيم والمفاهيم والمبادئ الوطنية التي يحاول ترسيخها في الذاكرة وتكريسها في الوجدان.. وهو بمثابة دور ريادي في توثيق تاريخنا الرياضي ومساهمة فاعلة في تشكيل ثقافتنا وفكرنا الوطني».. ساهم في حفظ تاريخ الوطن الرياضي ووثقه في موسوعات وكتب.
ترك إرثاً زاخراً وافراً
وستبقى بصمات الدكتور أمين ساعاتي خالدة في حفظ ذاكرة الرياضة السعودية.. وسيظل -وإن رحل- قامةً كبيرةً ورمزاً وطنياً كبيراً أسهم في صناعة الوعي الرياضي وتوثيق مسيرته.. فهو رائد التوثيق الرياضي والأكاديمي، وهو أحد الرموز في الرياضة والفكر.. وهو المكتبة الرياضية السعودية – كما وصفه الزميل تركي السديري- وهو موسوعة التوثيق –كما لقبه الزميل عبدالله فلاته- وهو أيقونة التأريخ الرياضي في المملكة – كما وصفه د. جاسم الياقوت.
فهو وإن رحل بجسده فسيظل حاضراً بإرثه الذي تركه.. فلقد ترك ما يربو على الخمسين كتاباً في المجالات الرياضية وفي تخصصه العلمي وحول البيئة الاجتماعية لمدينة جدة.. ستكون متاحة للأجيال وللاطلاع عليها والنهل من معينها وللباحثين وطلاب الجامعات وأساتذتها للرجوع إليها.
المتحف الرياضي
وحيث إن الدكتور أمين ساعاتي شخصية خلاقة مبدعة فلقد قام بإنشاء متحف رياضي يحكي تاريخ الرياضة في المملكة العربية السعودية والقيادات الرياضية واللاعبين الذين تعاقبوا على ملاعبنا الرياضية. أنفق عليه من ماله؛ ليساهم به في خدمة وطنه عبر حفظ تاريخه الرياضي.
والد الأطباء
ورغم انشغاله بكتابة التاريخ وتوثيقه كان الدكتور أمين -رحمه الله- رب أسرة مثالي.. عني بأبنائه وانشأهم خير نشأة فجميعهم أطباء يخدمون وطنهم ومجتمعهم في أشرف مهنة.
دروس وعبر للأجيال
وأخيراً، أقول كما قال الأستاذ المشايخ: إن الدروس والعبر أمام أجيالنا الباحثة عن نموذج وقدوة للتعرف على قصص نجاح مبهرة تكون حافزاً لهم في مواجهة تحديات المستقبل.. فمسيرة الدكتور أمين قصة نجاح نستلهم منها عبراً ودروساً مهمة. وستظل كتبه المرجع الأهم للباحثين وطلاب الجامعات وأساتذتها.
ولا يسعني في الختام سوى أن ابتهل إلى المولى جلت قدرته أن يدخل فقيدنا الغالي الدكتور أمين ساعاتي في شآبيب رحمته وغفرانه.. إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ونحمد الله على هذا الحب والتقدير الذي يكنّه الجميع نحو الفقيد الغالي، الذي تجسّد من خلال ردود الفعل الواسعة على وفاته.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات