إعادة الانضباط إلى المشهد العمراني – أخبار السعودية – كورا نيو

يؤكد المتخصصون أن «المدن المتزنة» تتأسس على قاعدة صلبة من التنظيم، تبدأ من توزيع الأراضي ثم رفع البناء وصولًا إلى تفاصيل استخدام المباني، وعدد شاغلي المسكن، ليمثل ذلك مسارًا تنظيميًا للأحياء السكنية، لكنه قد يتعرض للخلل عندما يتبع سلوكًا عشوائيًا. وأحد أسباب الخلل هو تقسيم المساكن إلى وحدات صغيرة دون ترخيص، تنتج عنها كثافات سكانية تُربك البنية التحتية، وتؤثر على كفاءة المرافق، وتغيّر من طبيعة الأحياء التي صُمّمت لتكون ذات طابع عائلي وخدمات متناسبة، كما أن هذه الممارسات تتجاهل الأطر التنظيمية التي وُضعت لحماية السكان أولاً، قبل أي اعتبارات أخرى.
ويُلاحظ، أن ارتكاب هذه المخالفات – سواءً عن جهل أو تعمُّد – يضع الاعتبارات التجارية فوق الاعتبارات النظامية والإنسانية، ما يؤدي إلى تكدّس غير آمن، وبيئات سكنية تفتقر إلى التهوية والمساحات والخصوصية، بل وتتحول أحيانًا إلى مواقع لنشاطات غير مصرّح بها. ولهذا فإن ما يجري حاليًا من تدخلات رقابية من الأمانات والبلديات بتوجيه من وزارة البلديات والإسكان، يمثل خطوة جوهرية في إعادة الانضباط إلى المشهد العمراني، إذ تتقاطع هذه الجهود مع مستهدفات كبرى في الاستدامة والامتثال وجودة الحياة، حيث لا يمكن فصل المعالجة الميدانية للمخالفات عن أهمية رفع الوعي لدى فئات المجتمع المختلفة، سواء الملاك أو المستثمرين أو المستأجرين.
إن الالتزام بالاستخدام النظامي للوحدات السكنية يتطلب بالضرورة أن تتوسع أدوات الرقابة، وتتطور قنوات الإبلاغ، ووسائل التوعية المؤسسية، حتى لا تتكرر التجاوزات، ويُعاد الاعتبار لاستخدام المساكن بوصفها بيئة إنسانية، لا معاملة عقارية فقط.
وحديثنا عن هذا الموضوع نابع من مشاهدتنا لما يتعرض له النسيج الاجتماعي في بعض الأحياء السكنية من تشوهات واضحة متزايدة رصدتها وزارة البلديات والإسكان، واضطرتها للتعامل معها ضمن منظومة رقابية متكاملة تجمع بين الرصد الرقمي والميداني، تنفّذ عبر جولات تفتيشية كثيفة تُحمّل المسؤولية لكافة الأطراف ذات الصلة، وبالتوازي مع جهود توعوية مكثّفة لترسيخ ثقافة الامتثال، وصون الأحياء السكنية من الاستخدامات غير النظامية، بما يضمن بيئة أكثر عدالة وتنظيمًا.
وهنا نؤكد، أن تأثير هذه المخالفات تمتد تداعياته إلى أبعاد أمنية وخدمية واجتماعية، فحين تتحول العقارات إلى مساحات مفصّلة خارج السياق النظامي، تتزايد الأحمال على المرافق، وتضعف القدرة الاستيعابية للخدمات، ويتراجع الشعور بالخصوصية، وتفقد الأحياء طابعها العمراني المتوازن.
واستشعارًا لحجم المسؤولية، يُفترض على كل من يلحظ هذا النوع من المخالفات التبليغ عنها فورًا عبر تطبيق «بلدي»؛ دعمًا للجهود الرقابية، والحد من الممارسات الاستثمارية الخاطئة، المؤثرة على المستوى البعيد في النظام السكني، والبيئة الاجتماعية الآمنة.
إنها ليست مسؤولية الوزارة وحدها، فهي بأنظمتها ورقابتها وجهودها التوعوية لن تستطيع وحدها تحقيق ما تصبو إليه من أجلنا دون مشاركتنا الفاعلة كمجتمع.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات