اعصب يدك.. يجيك 1.000 طبيب ! – أخبار السعودية – كورا نيو

يقول أحد الأمثال الشعبية «اعصب يدك ويجيك ألف طبيب»..المثل ينطبق على ما يدور في منصات التواصل الاجتماعي، ممن يصنفون أنفسهم «أطباء شعبيين»، يدّعون تضميد جراح الموجوعين تحت غطاء الطب الشعبي، فامتلأت بهم ساحات الميديا الجديدة، مستغلين أوجاع الناس؛ لاستنزاف جيوبهم من خلال قيامهم بتقديم وصفات علاجية وخلطات عشبيه بمبالغ طائلة دون اكتراث لما قد تسببه هذه الخلطات من أضرار جسيمة لحياة المرضى. المفارقة أن بعض هؤلاء يتقمصون صفات أطباء المستشفيات، ويطلبون من المرضى تزويدهم بتقارير طبية مترجمة وصور أشعة وتحاليل لإيهامهم بمصداقية نشاطهم. وهناك آخرون يتنقلون بين المساجد بحثاً عن كبار السن ممن يعانون من أمراض في الأعصاب ولا يقدرون على الركوع والسجود.. ذلك دون مراعاة لقدسية دور العبادة، والأغرب أن الطبيب الوهمي يشترط على المرضى دفع مقدم قدرة 1,000 ريال قبل البدء في العلاج!
التخلي عن خطة الطبيب
«عكاظ»، استطلعت آراء عدد من المختصين حول الملف، وفي البداية قالت الأخصائية الاجتماعية عالية الشمراني: إن للطب الشعبي أو البديل أثراً سلبياً كبيراً على من يعانون من الأمراض؛ سواء كانت الآثار نفسية أو جسدية أو مادية. لا نلوم من ابتلوا بالأمراض، هم يبحثون عن العافية بأي طريقة كانت، لكن يسلكون طرقاً غير آمنه قد تؤدي بالضرر على صحتهم فيتجهون إلى التداوي بالطب الشعبي ويبحثون عمن تطفلوا على المهنة، وساعدتهم على ذلك منصات التواصل الاجتماعي في التسويق لأنفسهم والشهرة وجلب المال مستغلين في ذلك أوجاع الناس وبيع الوهم لهم.
وأضافت الشمراني: إن الكثير من المرضى خصوصاً ممن يعانون من أمراض مستعصية وصل الحال بهم إلى مرحلة اليأس فيضطرون إلى الذهاب لممارسي الطب الشعبي اعتقاداً منهم أن في أيدي هؤلاء الشفاء، وقد يتخلى البعض عن الأدوية التي وصفها له طبيبه المعالج في المستشفى ويترك الخطة العلاجية ولا يستمر في مراجعة المستشفى، ويستهلك زمناً طويلاً في مراجعة الأطباء الشعبيين ما يؤخر خطة علاجه أو تظهر عليه أعراض جديدة وتتدهور حالته إلى الأسوأ بسبب الخلطات أو الأعشاب.
الأخصائية الشمراني أشارت إلى أن الأعشاب تحدث تفاعلات تضر بصحة الإنسان، علاوةً على الآثار الجسدية هناك الآثار المالية؛ فقد يصرف المريض أموالاً طائلة على مراجعته لهؤلاء ويستنزفون ما في جيبه ببيعه خلطات وأعشاباً بمبالغ عالية جداً ما قد ينهك قدرة المريض مالياً. وهناك آثار نفسية؛ فقد لا يجد المريض بعد فترة طويلة فائدة من التداوي عند هؤلاء فينصدم ويدخل مرحلة اكتئاب شديدة وتتفاقم حالته المرضية ويصاب بأمراض نفسية ما يصعب علاجها، والمطلوب الابتعاد عن باعة الوهم وعدم المخاطرة بالصحة والبحث عن العلاج في المستشفيات، فالواضح اليوم أن هؤلاء لاهثون خلف الشهرة والكسب الرخيص.
تفاعل خطر بين الأعشاب والأدوية
الصيدلاني المختص في علم الأدوية الدكتور حسين الردادي، يرى أن تصرفات الأطباء الشعبيين تمثل خطراً كبيراً على الصحة، فهؤلاء لا يملكون المعرفة العلمية أو الخبرة الطبية التي تمكنهم من تقديم استشارات صحية أو علاجات مضمونة وفعالة، فالخطورة على صحة المرضى تكمن في الوصفات الشعبية أو الأعشاب التي يروج لها هؤلاء، فلربما تحتوي على مواد غير معروفة أو مركبات ضارة تؤدي إلى تفاعلات سلبية مع الأدوية التي قد يتناولها المرضى أو تسبب أمراضاً جديدة بسبب عدم مطابقتها للمعايير الصحية ما يفاقم حالتهم الصحية ويجعل شفاءهم أكثر صعوبة بسبب استفحال الأمراض.
وأضاف الردادي: إن هؤلاء لا يتوقفون عن استنزاف جيوب المرضى، بل قد يتسببون في أضرار جسدية لا يمكن علاجها، فالعلاجات التي يتم الترويج لها لا تخضع لأي دراسات علمية دقيقة، ما يعني أنه لا يوجد ضمان لفعاليتها أو أمانها وما يقوم به هؤلاء من طلب تقارير طبية وتحاليل من المرضى جزء من محاولاتهم لكسب الثقة وكسب المال بطرق غير مشروعة. ففي الحقيقة، هذا التصرف يساهم في تضليل المرضى وإضعاف ثقتهم بالمتخصصين المعتمدين. وحث الدكتور الردادي المجتمع على ضروري زيادة الوعي حول مخاطر الطب الشعبي والتأكد من الحصول على العلاج من مصادر موثوقة ومتخصصة، كما يجب على المرضى عدم اللجوء إلى الأشخاص غير المتخصصين حتى وإن كانوا يظهرون بمظهر موثوق، والحرص على استشارة الأطباء المعتمدين والمختصين في المجال الطبي، مشدداً على المرضى أن يكونوا حذرين من المعلومات غير الموثوقة التي يتم تداولها على الإنترنت.
عيادات في «تيك توك»
الباحث في علم الجريمة والأمن الفكري الدكتور عبدالرحمن عبدالحميد السميري، قال: إن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات استخداماً للتكنولوجيا والمعلومات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، وتعد منصة (تيك توك) من المواقع الأكثر استخداماً، فمن خلالها يتم تسويق بعض المنتجات الطبية والمكملات الغذائية من قبل البعض بحجة تجربتهم لتلك الأدوية ونصيحتهم باستخدامها والادعاء بأنها مجربة ومفيدة، وهذه المنتجات لا تخضع لمصدر علمي وغير معروفة آثارها الجانبية، وغير مرخصة من هيئة الغذاء والدواء. ويتجاهل هؤلاء المروجون أن الدواء الذي يصلح لإحدى الحالات لا يصلح لأخرى، وينتج عن ذلك أمراض خطيرة مثل الفشل الكلوي وأمراض مستعصية أخرى، ما يجعل مستخدميها ضحايا لتلك الحملات الكاذبة. وفوق ذلك كله استنزاف أموال المرضى بالاحتيال الإلكتروني عبر نقاط البيع والمعلومات غير الموثوقة أثناء البيع والشراء التي تستخدم معلوماتهم المكانية والبنكية والدخول غير المشروع لحساباتهم وتهديدهم وابتزازهم. وأضاف السميري: إن مثل تلك القضايا تعد من الكسب غير المشروع ومن الجرائم الإلكترونية التي تهدد الأمن المجتمعي والاقتصادي. وللحد من جريمة الاحتيال الإلكتروني أقرت الحكومة عدداً من العقوبات الصارمة بسن العديد من القوانين والأنظمة لمكافحة الجرائم المعلوماتية وللوقاية من ذلك، ولا بد من الوعي المجتمعي والإبلاغ فوراً عبر القنوات المنظمة لذلك عن أي مقاطع فيديو تضر بصحة الإنسان وسلامة المجتمع والرقابة المشددة على نقاط البيع والتخزين والتوزيع داخل البلاد، فالأمن المجتمعي مسؤولية الجميع.
للمريض حق طلب التعويض
المحامية ندى عبدالله العتيبي، حثت على الإدراك بأن الطب الشعبي يقوم على خبرات وممارسات متفاوتة وليست قائمة على دراسات مثبتة، ما يعني أن نسبة الخطأ والأضرار كبيرة وصعبة وغالباً يتم عن طريق تجارب قد تصيب أو تخطئ، ويُقدم عليه الناس بجهل، وعلى ذلك يستغل بعض المحتالين ممن يخبئون احتيالهم تحت مسمى «طبيب شعبي»، المرضى وإيهامهم بإمكانية معالجتهم وتخليصهم من الأمراض النفسية أو الجسدية، ما يعرض المريض إلى الاستغلال المادي وخطر تفاقم حالته المرضية إلى الحد الذي يصعب أن يفيد معه العلاج مع الطبيب المختص.
وأضافت العتيبي: إن الطب الشعبي أضحى سوقاً رائجة لبيع الأوهام والاحتيال على الناس، وبذلك يكون مسؤولاً عن ذلك قانونياً لممارسته التطبيب من غير معرفة وجهل مع سبق الإصرار. والشريعة الإسلامية سبقت التشريعات الوضعية الحديثة في إرساء قواعد المسؤولية الطبية بما يكفل حماية الطبيب ويحفظ حقوق المريض ويشجع على تطوير المنهج العلمي للمهنة الطبية، والمنظم السعودي في نظام المعاملات المدنية نص على التعويض عن الفعل الضار مطلقاً في المواد (137/138)، التي تنص على تحديد الضرر الذي يلتزم المسؤول بالتعويض عنه بقدر ما لحق المتضرر من خسارةٍ وما فاته من كسب، إذا كان ذلك نتيجةً طبيعيةً للفعل الضار. ويعد كذلك إذا لم يكن في مقدور المتضرر تفاديه ببذل الجهد المعقول الذي تقتضيه ظروف الحال من الشخص المعتاد ويشمل التعويضُ عن الفعل الضار التعويضَ عن الضرر المعنوي. ويشمل الضرر المعنوي ما يلحق الشخص ذا الصفة الطبيعية من أذى حسيٍّ أو نفسيٍّ، نتيجة المساس بجسمه أو بحريته أو بعرضه أو بسمعته أو بمركزه الاجتماعي. لا ينتقل حق التعويض عن الضرر المعنوي إلى الغير إلا إذا تحددت قيمته بمقتضى نص نظامي أو اتفاقٍ أو حكمٍ قضائيٍّ. تقدر المحكمة الضرر المعنوي الذي أصاب المتضرر، وتراعي في ذلك نوع الضرر المعنوي وطبيعته وشخص المتضرر.
العلاج السحري.. غش وتدليس
الكاتب عايض المطيري، يرى أنه مع انتشار التواصل الاجتماعي، يظهر بين فترة وأخرى حزمة من المعالجين يدّعون امتلاك علاج الأمراض الجسدية والروحية بطرق غير مثبتة علمياً وغير نظامية، مستغلين حاجة المرضى وضعف وعيهم. فهؤلاء لا يبحثون عن العلاج بقدر ما يسعون وراء الربح، فيبيعون الوهم تحت مسمى الطب الشعبي، ويقدمون وصفات قد تكون خطيرة، دون أدنى مسؤولية أو وازع ديني يردعهم عن الغش والتدليس. ويدّعون امتلاك علاج سحري لكل داء، ولكل مرض مستعصٍ عجز عنه الطب الحديث، بينما هم في الواقع يعرضون صحة الناس وحياتهم للخطر ويهدمون جهود وزارة الصحة وخططها العلاجية للمرضى. وأضاف المطيري أنه من الضروري أن يتصدى المجتمع والجهات المعنية لهؤلاء بحزم، فالوعي هو السلاح الأول لمواجهة استغلال الضعفاء. ولا بد من رفع وعي الناس والمجتمع من خلال حملة تثقيفية مكثفة تتبناها وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء لتوضيح مخاطر اللجوء إلى هؤلاء الدجالين، إلى جانب دور وزارة الشؤون الإسلامية في تخصيص خطب الجمعة للتحذير منهم ومن مغبة الذهاب إليهم. كما يجب على الجهات المختصة فرض رقابة صارمة وغرامات قاسية لمنع انتشار هذه الظاهرة؛ لأن صحة البشر ليست مجالاً للتجارب، والسكوت عن هؤلاء يعني السماح لهم بمواصلة استغلال الناس دون رادع.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات