الأحزاب اللبنانية بين الأزمة والإصلاح..! – أخبار السعودية – كورا نيو

تُسجل الأحزاب في لبنان تحت إطار «الجمعيات»، وليس بموجب قانون خاص بالأحزاب، حيث يُطبق عليها قانون الجمعيات العثماني الصادر عام 1909. ينظم هذا القانون تأسيس الجمعيات، بما في ذلك الأحزاب السياسية، ويشترط على هذه الكيانات تقديم «العلم والخبر» للحكومة، مما يعني إعلامها بتأسيسها. إلا أن هذا القانون لا يمنح تراخيص بمفهومها الحديث، مما يضع الأحزاب في وضع قانوني غير واضح.
تعتبر معظم الأحزاب اللبنانية مسجلة كجمعيات سياسية وفقًا لهذا القانون القديم، مما يخلق حالة من الغموض القانوني ويعوق تطوّر العمل السياسي. فالقانون لا يتماشى مع التشريعات الحديثة التي تتطلب الشفافية المالية ومصادر التمويل. بالإضافة إلى ذلك، تنشط العديد من الأحزاب دون وجود أوراق رسمية معروفة، مما يعرضها لاحتمالية اعتبارها جمعيات سرية إذا لم تلتزم بالتسجيل والإفصاح الدوري عن الموازنة وأسماء الأعضاء.
مرّ لبنان بتجارب مريرة من الحروب الأهلية التي مزّقت نسيجه الوطني وألحقت به أضرارًا كبيرة على مستويي المجتمع والدولة. خلال هذه النزاعات، لعبت الأحزاب السياسية الفاعلة دورًا مركزيًا، حيث كانت جزءًا من الأزمة بدلاً من أن تكون جزءًا من الحل. بعد انتهاء هذه الحروب، تم التوصل إلى اتفاق الطائف في عام 1989، الذي كان يُفترض أن يمثل بداية حقيقية لإنهاء الصراعات الداخلية وتنظيم عملية حكم أكثر شفافية ونزاهة. لكن، وللأسف، لم تُنفذ بنود هذا الاتفاق بشكل كامل حتى اليوم بسبب تواطؤ الأحزاب السياسية التي ما زالت تضع مصالحها الحزبية فوق مصلحة الوطن.
تتشارك هذه الأحزاب في تقاسم السلطة، حيث تملك تأثيرًا مباشرًا على رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي. هذه السيطرة الحزبية المتبادلة أدّت إلى توزيع المناصب والقرارات بعيدًا عن مصالح الشعب، مما أعاق إجراء الإصلاحات الضرورية لإنقاذ لبنان من أزماته العميقة. إن استمرار هذه الأحزاب في حكم لبنان من خلال تقسيم المناصب وتحصيل المصالح الضيقة يمنع البلاد من تحقيق الاستقرار والتنمية.
تتداخل أدوار الأحزاب مع الدولة نفسها، حيث تتولى تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين مثل التوظيف، والتعليم، والرعاية الصحية. هذا الوضع يجعل المواطن تحت رحمتها ويزيد من تبعيته لهذه الأحزاب، مما يعزز من نفوذها ويقوي سيطرتها. من خلال هذا الدور، تفرض الأحزاب نفسها وتوجه قرارات الدولة، وتقترح سياسات تخدم مصالحها، مما يعزز من وجودها على الساحة السياسية.
لذا، يُعتبر من الضروري أن تتخذ الدولة قرارًا جريئًا بحل هذه الأحزاب وإعادة تشكيلها، مع إقرار قانون جديد يحدد معايير واضحة للتمويل والشفافية والمساءلة. هذا القانون يجب أن يضمن أن تعمل الأحزاب بما يتماشى مع متطلبات العصر. إن إعادة بناء المشهد السياسي على أسس جديدة، تضمن مشاركة حقيقية للشعب وترسّخ دولة القانون والمؤسسات، هي خطوة حاسمة لا بد منها.
إن إعادة بناء نظام سياسي جديد ومعالمه واضحة تُعد السبيل الوحيد لإحياء الحياة السياسية وضمان مستقبل أفضل للبنان وشعبه، كما تمثّل خطوة أساسية لإنقاذ البلاد من أزمتها المستمرة.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات