أخبار العالم

الأمانة ميزان القيادة – أخبار السعودية – كورا نيو



منذ أن أشرقت أنوار الرسالة المحمدية، وضع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة معايير لا تزول مع الزمان ولا تبلى مع تغيّر الأحوال. ومن أوضح تلك المعايير وأشدها نفاذًا في ضمير الأمة حديثه الشريف لأبي ذر رضي الله عنه، حينما طلب أن يولّيه رسول الله قضاءً أو إمارة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها».

هذا الجواب النبوي ليس عتابًا شخصيًا لأبي ذر، وهو من هو في صدقه وزهده وورعه، ولكنه تأصيلٌ لمبدأ عظيم: أن المناصب ليست للوجاهة ولا للتكريم، بل هي مسؤولية وأمانة، لا ينهض بها إلا من جمع بين القوة والأمانة، وبين العلم والخبرة، وبين الإخلاص والقدرة على الإنجاز.

وجاءت جملة من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تؤيد تلك الحقيقة الراسخة، حيث قال: «إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة»، وليس إضاعة الأمانة مقصورًا على الخيانة في المال؛ بل يدخل فيه كل إخلال بواجب الوظيفة، وكل إسنادٍ للمناصب إلى غير أهلها، وكل تقصيرٍ في أداء حق المواطن والدولة.

إن التجارب الإنسانية كلها تشهد أن تعيين الأشخاص في مناصب أكبر من قدراتهم العلمية أو العملية يورث البلاد تعطّلًا في التنمية، ويؤدي إلى ضياع الجهود وهدر الطاقات، قد يملك المرء حُسن النية أو الإخلاص، لكنه يفتقد الكفاءة التي تؤهله لقيادة مؤسسات كبرى أو مواجهة تحديات جسيمة، ومثل هذا الوضع يولّد فجوة بين تطلعات المواطن وواقع المؤسسات، فتُهدر فرص الإصلاح وتتراجع الخطوات بدل أن تتقدم.

والقيادة الحقّة ليست مجرد حضور إداري أو صفة رسمية، بل هي رؤية واعية، وخبرة مكتسبة، وعطاء يتجاوز حدود المصلحة الشخصية إلى مصلحة الوطن، فإذا غابت الكفاءة عن المناصب القيادية، تعطلت مصالح الناس، ووجد المواطن نفسه أمام مؤسسات لا تلبي حاجاته، أو قرارات لا تنسجم مع أولوياته.

وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع هذه القاعدة العظمى قبل أربعة عشر قرنًا، فإن رؤية المملكة 2030 جاءت لتؤكدها بمنهج عصري متجدد؛ فالمحور الأساسي لهذه الرؤية هو تمكين الكفاءات الوطنية، وتوجيه الطاقات إلى مواقعها الصحيحة، فالنهوض الاقتصادي لا يتحقق إلا بقرارات رصينة يقودها خبراء، والتطوير التعليمي لا يتم إلا بأيدٍ مؤهلة تدرك أبعاد العلم والمعرفة، والرقي الصحي لا يكتمل إلا بقيادات واعية قادرة على تذليل العقبات.

إن الاستثمار الحقيقي لا يكمن في الحجر والمال وحدهما، وإنما في الإنسان الذي يقود تلك الطاقات ويحوّلها إلى إنجازات، وهذا لا يتحقق إلا إذا وُضِع الرجل المناسب في المكان المناسب، بعيدًا عن المجاملات أو الاختيارات غير المدروسة، التي قد تُقصي الكفاءات وتُبرز الضعفاء.

لمستُ شخصيًا روح الأمانة وإدراك القيادة في أمير محافظة حفر الباطن الأمير عبد الرحمن بن عبد الله بن فيصل آل سعود، فهو النموذج الحي لمبدأ «الشخص المناسب في المكان المناسب»، فقد تهيأت له أدوات الرؤية الفعالة المتمثلة في رؤية المملكة 2030م، واجتمعت فيه صفات الأمانة والكفاءة، فغدا المكان على يديه أكثر ازدهارًا وحيوية، المؤسسات تجددت، والمشاريع تلاحقت، والشوارع تنفّست بهاءً ورونقًا، حتى بدا وكأنه ألبس المحافظة حُلّة عصرية تُعانق ماضيها الأصيل، وكأن الروح دبت من جديد في أوصال المحافظة، تمنح المواطن سكينةً وطمأنينةً بأن الغد أكثر إشراقًا، وليس ذلك عليه بجديد؛ إذ رأيت صنيعه المماثل بمحافظة المجمعة التي تحمل تطويرها قبل محافظة حفر الباطن.

وليس التطوير عنده مظهرًا خارجيًا فحسب، بل هو رسالة أمانة تؤكد أن القيادة عطاء ورعاية، وأن الكرسي لا يليق إلا بمن يعي ثِقله، فمن التعليم إلى الصحة إلى البنية التحتية، تبرز بصماته شاهدة على صدق العزم وسداد الرأي، وهكذا ارتسمت ملامح المعادلة الصعبة؛ حين يكون القائد أمينًا على الإنسان قبل المكان، وحين تُترجم المسؤولية إلى عمل ملموس يلمسه كل مواطن، لقد تجلّى في سيرته أن اختيار الرجل المناسب للموضع المناسب ليس قرارًا إداريًا وحسب، بل هو الضمانة الكبرى لحياة مزدانة بالثقة والاستقرار.

إن الأمانة ليست شعارًا يرفع، بل هي حقيقة تُختبر في كل موقع، ووزنٌ دقيق توزن به الرجال، ومن ينهض بالقيادة بصدق وإخلاص وكفاءة، فهو أقدر الناس على حمل الأمانة وأدائها، ومن حملها ضعفًا أو مجاملة، فقد حمَّل البلاد والمواطنين ما لا يطيقون، وهكذا يلتقي توجيه النبي صلى الله عليه وسلم مع تطلعات رؤية المملكة، لتُرسّخ قاعدة خالدة: أن الأمانة هي ميزان القيادة، وأن الرجل المناسب في المكان المناسب هو سرُّ النجاح وعماد النهضة.

أخبار ذات صلة

 


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى