الإعلام حصانة قوية من مقاعد الثانوية – أخبار السعودية – كورا نيو

نعيش اليوم في ذروة ثورة التكنولوجيا، بكل ما تعنيه الكلمة، سرعة تُذهل العقول وتُدهش الأبصار، حتى بات الإعلام في مقدمة أدواتها، لا مجرد نافذة على العالم، بل العالم كله.
وتدركون جميعًا أن كل بيت يملك من الوسائل ما كان يُعد بالأمس ترفًا، فأصبح الهاتف والحاسوب والشاشة أبوابًا مشرعة يدخل منها العالم إلينا وندخل بها إليه.
جيل اليوم يقف في قلب العاصفة، تُغريه التقنية بلمعة بريقها، لكنها تحمل بين طياتها مخاطر خفية، فهي كالسيف إن وُجّه بحكمة كان نصيرًا، وإن استُخدم بطيش كان وبالًا.
لهذا فإن إعداد الجيل الحالي والقادم لا يكون بالصدفة، بل ببنية معرفية راسخة، فالعلم بلا وعي كالمال بلا عقل، سرعان ما يضيع ويهلك صاحبه.
ولأن الشباب يشكلون أكثر من 70% من المجتمع، فإن الحاجة إلى تبصيرهم بكيفية إدارة هذه الوسائل باتت ملحّة.
فكل نافذة بلا وعي قد تتحوّل إلى ثغرة، وكل ثغرة قد تصبح خنجرًا في خاصرة الوطن. وهنا تتجلى أهمية الإعلام، بكل صوره من الصحافة الورقية إلى الإذاعة والتلفزيون، وصولًا إلى صناعة المحتوى في شبكات التواصل الاجتماعي.
ولذلك فإن الدعوة ليست إلى تخريج إعلاميين من مقاعد الثانوية، بل إلى غرس بذور الوعي الإعلامي منذ تلك المرحلة.
أجزم أن مادة الإعلام في المدارس ستكون حصانة للعقول، أشبه بسياج يحمي البساتين من الدواب، وكالقفل يحمي البيوت من اللصوص.
الهدف أن يتعلم أبناؤنا، كيف يميّزون الخبر من الإشاعة.
وكيف يردّون بأدب بدل الانفعال بجهل.
وكيف يصنعون محتوى راقيًا بدل استهلاك المحتوى الهابط.
ويتعلمون فنون إحباط تصيد الأصوات الناشزة التي تحاول تسميم العقول والإساءة للأوطان.
فالأوطان لا تُحمى بالسلاح وحده، بل تُحمى أولًا بحماية عقول سواعدها.
فما جدوى سور متين إن كان من داخله عقل هشّ يتلاعب به العابثون!
إننا نعلم أن للإعلام تخصصاته الجامعية الراسخة، لكن الواقع يفرض اليوم أن التعامل الإلكتروني بحد ذاته نوع من الإعلام. ومن الحكمة أن نُفقّه شبابنا مبكرًا في التعامل الأمثل معه، بدل أن نتركهم يتعلمون من التجارب المرة، أو نقف متفرجين وهم يقاتلون في ظلام التضليل.
العقل حصن، ومن هُدم حصنه هان أمره.
والإعلام هنا البوابة الكبرى لذلك الحصن.
فمن امتلك وعيًا إعلاميًا صار كالفارس الذي يعرف عدوه من صديقه، ومن تُرك في جهالة صار كمن يضرب في الظلام، يؤذي نفسه قبل غيره.
من هنا، يصبح استحداث مادة إعلامية في المرحلة الثانوية مشروعًا وطنيًا، لا مجرد اقتراح.
فالأوطان لا تُصان بالجيش وحده، بل بالوعي أولًا، والوعي هو الجيش الذي لا ينام.
فهل ستلتقط وزارة التعليم زمام المبادرة، وتفتح لأبنائنا أبواب المعرفة الإعلامية في سن مبكرة، ليكونوا حصونًا راسخة لا تقتلعها رياح التضليل؟
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات