الابتكار.. عنوان زيارة ولي العهد التاريخية – أخبار السعودية – كورا نيو

لم تكن زيارة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى واشنطن رحلة دبلوماسية اعتيادية، ولم تكن مجرد قمة عقدها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لتوقيع اتفاقيات شراكة لعلاقة بدأت قبل عقود عديدة، بل كانت بمثابة تدشين لمرحلة تاريخية جديدة بين المملكة والولايات المتحدة، ومحطة مهمة تعكس رغبة السعودية الطموحة في مواكبة ابتكارات القرن الحادي والعشرين ومواجهة أي تحديات مستقبلية.
لقد تجاوزت القمة مفهوم «التحالف مقابل الطاقة» لتؤسس لميثاق جديد عنوانه الأبرز «الاقتصاد المتبادل والابتكار المشترك».
إن أهمية هذه الزيارة لا تقاس بحجم الوفود أو ضخامة المراسم، بل تقاس بـ«الرؤية الجديدة» التي صاغها ولي العهد، والتي أعلنت بوضوح أن العلاقة لم تعد تُقاس بـ«برميل النفط»، بل بـ«بايت التقنية» وما يمثله من اقتصاد رقمي وإبداعي وطاقة نظيفة، هذا التحول الجذري هو ما يجعل من القمة نقطة تحول تاريخية.
إن الأرقام التي تداولتها الزيارة تروي قصة نمو لا حدود له، فارتفاع الفرص الاقتصادية المتوقعة إلى تريليون دولار، صعوداً من حاجز الـ600 مليار دولار المعلن عنه سابقاً، ليس مجرد نمو كمي، بل هو دليل على انتقال نوعي في الشراكة، هذا الانتقال يضع «التمويل السيادي والاقتصاد الإبداعي والطاقة النظيفة» في صدارة أجندة البلدين، لتبتعد عن التقلبات الجيوسياسية المعتادة.
الرياض اليوم لم تعد تبحث عن دور «مورد الطاقة»، بل تُرسخ نفسها كـ«مهندس فرص» ومركز عالمي للاستثمار، وكما أشار الخبراء، فإن استثمار صندوق الاستثمارات العامة ما يقارب 40% من استثماراته العالمية في السوق الأمريكية يُعد شهادة ثقة في الابتكار الأمريكي، وفي الوقت ذاته، يُحوّل المملكة إلى شريك تمويلي وتكنولوجي رائد للولايات المتحدة. هذه ديناميكية ثنائية الاتجاه لم تكن موجودة بقوة من قبل، وهي جوهر الأهمية التاريخية للزيارة.
تكتسب هذه الشراكة بُعدها التاريخي الأعمق من دعمها غير المباشر والمباشر لمحاور «رؤية 2030»، فالهدف ليس جلب استثمارات، بل توطينها وتحويل المملكة إلى «قاعدة إنتاجية قائمة على المعرفة والتقنية». الاتفاقيات العملاقة في قطاعات الصناعات المتقدمة ليست هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة لرفع نسبة المحتوى المحلي وضمان نقل التكنولوجيا.
الأمثلة خير دليل.. ولعل أبرزها الشراكة مع «إير برودكتس» في مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر بقيمة 8.4 مليار دولار، ودور «جاكوبس» في تطوير المدن الذكية مثل «ذا لاين»، تؤكد أن واشنطن لم تعد تنظر إليها كشريك تجاري تقليدي، بل كرافعة لتسريع بناء قطاعات مستقبلية في المملكة، هذا التركيز على الصناعات المتقدمة والنقل والخدمات اللوجستية (التي استقطبت استثمارات أمريكية بلغت 25.3 مليار دولار) يجسد التزاماً بتحقيق الاستدامة الاقتصادية.
في كل الأحوال، لم تكن زيارة ولي العهد إلى واشنطن مجرد قمة عابرة، بل كانت تأسيساً لوديعة مستقبلية تضمن المصالح المشتركة والاستقرار الاقتصادي والنمو المتبادل لعقود قادمة. لقد وضعت هذه الزيارة الشراكة السعودية-الأمريكية على مسار يتجاوز النفط والصراع، ليكون مسار الابتكار والتحول المعرفي، هذه هي لغة التاريخ الجديدة التي تكتبها الرياض.
محامٍ ومستشار قانوني
المصدر : وكالات



