أخبار العالم

الانتحار الجماعي – أخبار السعودية – كورا نيو



اللامينغز حيوان يعيش في القطب الشمالي يشبه الجرذان يغطيها فرو ثخين. عندما يزداد عددها ولا تجد حيوانات اللامينغز ما يكفيها من طعام، تختار أحداً منها ليقودها إلى أعلى منطقة جبلية مطلة وقريبة من المحيط ليلقي القائد نفسه من أعلى الجبل ليرتطم بصخور البحر لتتبعه بقية السرب. هذه القصة عن حيوان اللامينغز (lemmings) هي أسطورة شائعة وليست حقيقة علمية. مصدر هذه الأسطورة هو فيلم وثائقي لإنتاج «ديزني» عام 1958 بعنوان «White Wilderness»، حيث قام المنتجون بتصوير المشاهد بتدبير بشري عن طريق دفع الحيوانات من على منحدر باستخدام منصة دوارة لإيهام المشاهدين بأنها تقفز بشكل جماعي. والصحيح أن اللامينغز عندما تزداد الكثافة العددية بشكل كبير، تهاجر مجموعات منها بحثًا عن الطعام خلال هذه الهجرات، قد تقع بعضها من على منحدرات أو تقع في الماء وتغرق بغير قصد لأنها لا تسبح جيدًا لمسافات طويلة. هذا ليس انتحارًا مخططًا له، بل هو حادث خلال رحلة خطرة. على الرغم من أن قصة الانتحار الجماعي للامينغز هي خرافة، إلا أنها أصبحت استعارة قوية في الأدب وعلم النفس الاجتماعي لوصف ظاهرة اتباع الأفراد لقادة أو أفكار قد تقودهم إلى دمارهم بشكل أعمى، أو ما يعرف بالسلوك المدمر للذات (self-destructive behavior). أما النموذج الحقيقي للسلوك المدمر فيمكن رؤيته في عنكبوت الأرملة السوداء حيث يقدّم الذكر نفسه كضحية من أجل الحفاظ على النوع for the sake of reproduction.

الواقع إن الإنسان قد تعلّم بالفعل الكثير من الحيوان، ليس فقط من خلال الملاحظة البسيطة بل من خلال علم كامل يُسمى «الحيوية» أو «المحاكاة الحيوية» (Bionics/‏‏Biomimicry)، وهو علم يبحث في تطبيق Designs وطرق الحلول من الطبيعة في التقنية والهندسة لحل مشاكل البشر. والمواد اللاصقة تعلمها الإنسان (من Gecko Feet – أصابع أبو بريص)، الطيران (من الطيور والحشرات)، السونار/‏‏الموجات الصوتية (من الدلافين والخفافيش) وتصميم بدلات السباحة لتقليل مقاومة الماء. أخذها الإنسان من محاكاة جلود أسماك القرش التي لها أخاديد دقيقة تقلل من مقاومة الماء (drag). وتم تصميم بدلات السباحة السريعة (Fastskin) التي يرتديها السباحون الأولمبيون على غرار هذا الهيكل، مما ساعد في كسر العديد من الأرقام القياسية.

وقد جاء في المحكم مثال على تعلّم الإنسان من الطير قال تعالى «فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ».

الشاهد أن المجتمعات التي لا تتعلّم من الأخطار والأخطاء والتجارب ومن ما حولها والأحداث والتاريخ، لا شك ستكون معرّضة للهلاك والزوال، كهلاك الهنود الحمر وفناء معظمهم. عندما يتنمّر الآخر فلابد من وقفة وإعادة الحسابات. التأريخ يقول التفريط في القوة تنتهي بالخسارة، فلم يفد المستعصم بالله تركه لأسباب القوة وصرف جيشه إلا قتله والدمار لعاصمة الخلافة العباسية.

وهكذا، فإن الخلاصة الجوهرية التي نصل إليها هي أن قانون البقاء والتقدّم واحدٌ لا يتغيّر: إنه قانون التعلّم. فالمجتمعات التي تتعلّم من أخطائها، وتستلهم من محيطها، وتتحرّى الحقائق بعيداً عن الخرافات والأوهام، هي وحدها القادرة على تجنّب مصير اللامينغز الاستعاري، وبناء مصيرٍ يُحاكي نجاحات اللامينغز الحقيقية في الصمود والهجرة بحثاً عن مستقبل أفضل.

أخبار ذات صلة

 


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى