أخبار العالم

التحول السعودي لاقتصاد المنشآت الصغيرة والمتوسطة: البنية الرقمية التي تصنع محرك النمو القادم – أخبار السعودية – كورا نيو



تشهد المملكة العربية السعودية تحولاً اقتصادياً عميقاً يعيد رسم ملامح السوق المحلية ودور القطاع الخاص فيها. فبينما تستقطب المشاريع العملاقة أنظار العالم، يجري في العمق بناء اقتصاد متين يرتكز على ملايين من رواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة التي أصبحت اليوم في قلب إستراتيجية التنويع الاقتصادي. هذا القطاع لم يعد مجرد مساهم ثانوي في الناتج المحلي، بل ركيزة تمكين حقيقية لنمو مستدام يقوده الابتكار والقدرة على المنافسة.

البيئة التنظيمية الجديدة شكّلت نقطة انطلاق لهذا التحول. الإصلاحات التي قادتها منظومة حكومية متكاملة، تضم منشآت ووزارة التجارة ووزارة الاستثمار والبنك المركزي، أزالت الكثير من العوائق التي كانت تحد من التوسع ومرونة التأسيس. ولعل الأرقام وحدها تعكس حجم التحول. بحسب تقرير منشآت، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة تمثل اليوم 99.5% من إجمالي الشركات المسجلة في السعودية، بعد أن تجاوز عددها 1.27 مليون منشأة في عام 2023، مقارنة بنحو 571 ألفاً فقط قبل انطلاقة رؤية 2030. هذه القفزة ليست مجرد توسع في العدد، بل دليل على ثقة متنامية في السوق وقدرة رواد الأعمال على دفع عجلة الابتكار وتوليد الفرص.

إلى جانب الإصلاحات، جاءت الرقمنة لتكون القوة التي ترجمت الطموحات إلى واقع ملموس. فقد وضعت المملكة بنية رقمية تُعد من الأكثر تقدماً إقليمياً، مع انتشار واسع للمدفوعات الإلكترونية والخدمات الحكومية الرقمية وحلول الهوية الموحدة. تحوّلت الرقمنة من كونها خياراً إلى كونها شرطاً للمنافسة. 99% من المنشآت الصغيرة والمتوسطة تقبل الدفع الرقمي وفق مؤشر ماستركارد لثقة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يعكس تحولاً ثقافياً واقتصادياً عميقاً في آن واحد.

ومن بين أكثر التحولات وضوحاً في هذا المشهد، برز اقتصاد التوصيل واللوجستيات في المرحلة الأخيرة ليصبح شرياناً حيوياً للمنشآت الصغيرة. المطاعم والمقاهي والمتاجر المجتمعية تعتمد اليوم بشكل متزايد على الطلبات الإلكترونية للوصول إلى الزبائن وتحقيق النمو. وتشير بيانات وزارة التجارة ومنشآت إلى أن قطاع المطاعم والمقاهي يوظف مئات الآلاف من العاملين، ما يجعله رافداً أساسياً للتوظيف ونشاطاً اقتصادياً ينسجم مع طبيعة الحياة اليومية للمجتمع السعودي. هذا القطاع، بكل امتداداته من المطاعم إلى السائقين مروراً بالمنصات الرقمية، لم يعد مجرد خدمة تكميلية، بل أصبح جزءاً محورياً من بنية التجارة الحديثة.

في قلب البنية الحديثة للتوصيل يقف السائقون كواجهة بشرية تربط بين المنصات الرقمية والتجار والمستهلكين. ومع دخول تقنيات مثل التوجيه الذكي والجدولة الآلية وتحليلات الطلب الفوري، أصبحت هذه الأدوات عاملاً مباشراً في تحسين أداء السائقين وزيادة كفاءتهم التشغيلية. وفي الوقت نفسه، تمنح هذه التقنيات نفسها المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مثل المطاعم والمقاهي والمتاجر المجتمعية، القدرة على الوصول إلى طلب جديد والنمو دون الحاجة إلى استثمارات كبيرة في فتح فروع إضافية أو بناء شبكات توصيل خاصة بها. ومع توسّع حجم الطلب الرقمي، تزداد أهمية جودة الخدمة التي يقدمها السائق وتأثيرها على رضا العملاء وسمعة التجار. ويعني ذلك أن نجاح هذا القطاع يعتمد على تمكين كل من السائقين والتجار معاً، بما يضمن استمرار تطور منظومة التوصيل كجزء أساسي من الاقتصاد الخدمي الحديث في المملكة.

لقد وصل الاقتصاد الرقمي السعودي إلى مرحلة جديدة لا تُقاس فقط بحجم الانتشار، بل بنضج المنظومة وقدرتها على خلق قيمة طويلة الأمد. فالمطلوب اليوم تعميق التكامل بين المنصات الرقمية ورواد الأعمال والجهات التنظيمية لضمان أن التحول يشمل كل المناطق والأنشطة الاقتصادية، وأن الفائدة تتوزع بشكل عادل على مختلف مكوّنات السوق. المملكة وضعت الأسس اللازمة، والقطاع الخاص يمتلك القدرات، وروح الريادة تتسع يوماً بعد يوم.

ما يحدث اليوم يتجاوز التحديث والإصلاح إلى إعادة تعريف للأدوار الاقتصادية. المنشآت الصغيرة والمتوسطة تتحول تدريجياً إلى محرك نمو حقيقي، والمنصات الرقمية تغدو بنية تحتية اقتصادية متكاملة، واقتصاد المرحلة الأخيرة يصبح عنصراً أساسياً في تنافسية المملكة المستقبلية. هكذا تتشكل ملامح اقتصاد سعودي حديث، أكثر تنوعاً وقدرة على التكيّف، يقوده الابتكار وينعكس أثره على المجتمع والفرص والحياة اليومية. إنه اقتصاد يجسد طموح الرؤية ويحمل ملامح المستقبل الذي اختارته المملكة بثقة واقتدار.


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى