التشجير الحضري.. ركيزة أساسية لجودة الحياة – أخبار السعودية – كورا نيو

ونحن نعيش الأسابيع الأخيرة من صيف هذا العام الذي يلملم أشياءه استعداداً للرحيل، بعد صيف لاهب وطويل في أغلب مدن المملكة والخليج العربي، نتساءل: هل يمكن الحدُّ من الارتفاع المضطرد في درجات الحرارة ذي التداعيات الصحية والاقتصادية والبيئية؟
تدفع المدن على مستوى العالم ضريبة باهظة للتطور، والنمو، والتوسع العمراني، وازدياد عدد السكان، وما يصاحبه من زيادة وسائل النقل، والأسفلت، والأسطح الخرسانية، وأجهزة التكييف، والمباني الشاهقة، إذ تؤدي تلك المتغيرات إلى زيادة التلوث، وارتفاع درجات الحرارة بشكل ملحوظ وبمعدل يتناسب طرديّاً مع النمو الأفقي والرأسي، ويزداد الأمر سوءاً بتداعيات التغير المناخي، كما تتأثر مدن المناطق الصحراوية بصورة أكبر.
التشجير الحضري الذي يشمل الحدائق، والمتنزهات، والأحياء، والطرق، والميادين، وساحات المباني، والأحزمة الخضراء حول المدن، ليس مجرد إضافة جمالية، بل استثمار استراتيجي في التنمية المستدامة وجودة الحياة، وهو أفضل الحلول وأقلها تكلفة في سبيل كبح جماح التطرف المناخي في المدن، وما يصاحب ذلك من ارتفاع استهلاك الوقود في التبريد الذي يفاقم مشكلات التلوث والانبعاثات الضارة.
وللتشجير الحضري أبعاد اقتصادية وصحية لا تقل أهمية عن مزاياه البيئية، وهذا ما فطنت إليه العديد من الدول التي أطلقت برامج تشجير عملاقة، ففي سنغافورا مثلاً، ونتيجة للتوسع الحضري السريع الذي التهم المساحات الخضراء، وانتشار المباني الشاهقة التي تعترض تيارات الهواء الطبيعية؛ ارتفعت درجات الحرارة داخل المدينة بـ6 درجات مئوية مقارنة بأطراف المدينة، (قدرت الخسائر الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة في سنغافورا بـ1.6 مليار دولار، وستنخفض إنتاجية القطاعات الحيوية بنسبة 14% بحلول (2035، ما دفع الحكومة للبحث عن حلول عملية تقلل الآثار الاقتصادية، والصحية، والتنموية لهذا الارتفاع، فكان التشجير الحضري هو الخيار الأفضل. وفي الولايات المتحدة، قدّر الخبراء أن التشجير الحضري يوفر في استهلاك الطاقة، وتقليل الوفيات والإصابات الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة ما قيمته 12 مليار دولار سنوياً، كما قدرت فوائد التشجير في العاصمة البريطانية بـ133 مليون جنيه إسترليني سنوياً، وهذا ما حدا بالجهات المعنية للتخطيط لتحويل 50% من مساحة المدينة إلى مناطق خضراء. وتوصلت إحدى الدراسات إلى نتيجة مذهلة لتأثير التشجير الحضري على صحة الإنسان؛ إذ تحسّن مؤشر الالتهابات ذات العلاقة بأمراض القلب والسرطان والسكري بنسبة بلغت 20% في الأحياء المشجرة، مقارنة بالأحياء الخالية من الأشجار، وهذا ما شجع العديد من العواصم والمدن الكبيرة في العالم للتوجه لخيار التشجير الحضري للتقليل من آثار التلوث، وتعزيز التنوع الأحيائي، وتلطيف المناخ (قدر الانخفاض في درجات الحرارة نتيجة التشجير الملائم بـ5 درجات مئوية، بل ذهبت بعض التقديرات إلى تخفيض يتجاوز 10 درجات مئوية، ما يحقق مزايا اقتصادية وبيئية لا تقدر بثمن).
وفي سعي المملكة لتحويل مدينة الرياض إلى مصاف أكثر مدن العالم استدامة وجذباً، وذلك ضمن مستهدفات برنامج جودة الحياة في رؤية 2030، أطلق خادم الحرمين الشريفين عام 2019 مبادرة الرياض الخضراء التي تعدُّ أحد أكبر مشاريع التشجير الحضري في العالم، إذ من المؤمل أن تحول 7.5 مليون شجرة الرياض تدريجياً إلى مدينة خضراء مؤنسنة، يمارس سكانها وزائروها المشي وأنواع الرياضات الأخرى بيسر وسهولة، مما سينعكس بشكل إيجابي على الصحة وجودة الحياة، كما سيتحسن المشهد البصري، وينخفض استهلاك الوقود في التبريد، ما يقلل الملوثات، ويحد من الآثار الضارة لما يسمى بؤر الاحترار الحضري (Urban Heat Islands).
إن المزايا العظيمة للتشجير الحضري التي تم التطرق لبعض منها آنفاً، تجعل منه خياراً استراتيجياً وركيزة أساسية للتنمية المستدامة، وأهم أنماط التشجير، وتزداد الحاجة له في مدن المناطق الصحراوية، كما هو الحال في أغلب مدن المملكة التي- باستثناء الرياض- لا تزال بعيدة جداً عن تحقيق مستهدفات التشجير الوطنية التي تتناسب مع نموها وتمددها وازدياد عدد سكانها. إن المناخ المتطرف في أغلب أجزاء المملكة، يتطلب مبادرات تشجير متطرفة (إن صح التعبير)، فلا تكفي أعمال التشجير المتواضعة هنا وهناك، كما أن على المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي أن يفعل التعاون مع وزارة البلديات والإسكان للانتقال بالتشجير الحضري إلى آفاق جديدة تسهم في تحقيق المستهدفات الوطنية الطموحة.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات