أخبار العالم

«الذكاء الاصطناعي» نعمة ترتقي بالمبدع و«فوبيا» تسحق المتكاسل – أخبار السعودية – كورا نيو



كانت الكتابة الإبداعية هي أول تجليات الوعي البشري، وكانت أيضاً رحلتها طويلة وشاقة، بدأت من نحت الحرف، ومرت بمخاضات التدوين البدائي، حتى وصلت إلى العصر الذي فيه تُولد الأفكار بمجرد لمسة إصبع، وهذا واقع جميل لا مستقبل مخيف.

فالتفاصيل الصغيرة تصنع القفزات الكبرى، فمثلاً كنا قبل عقود فقط، عندما نحتاج إلى كتابة كلمة «خالد» على الآلة الكاتبة -المتطورة آنذاك- يعوزنا المكان والزمان والتركيز، وتتطلب معرفة موضع كل حرف، وتمريره عبر أربعة احتمالات على الأقل لشكل الحرف أول أم وسط أم آخر أم منفرد، وفقاً لموقعه في الكلمة.

لم تكن الكتابة فعلاً آنياً، بل عملية تتطلب جهداً بصرياً وميكانيكياً، وصبراً.

ثم جاءت لوحة المفاتيح «الكيبورد» فحررت الكتابة من القيود الميكانيكية فيتغير الحرف طبقاً لما بعده وقبله تلقائياً، واليوم، لم نعد نحتاج إلى كتابة الحرف كاملاً، فالكلمة تتوقع نفسها، والجملة تُستشرف قبل اكتمالها، والمعنى يكتمل قبل أن يُنطق، وهذا ليس سحراً، بل «ذكاء اصطناعي» يفهمنا إن كنا نفهمه.

«الذكاء الاصطناعي»، ليس مجرد نقلة تقنية، بل هو تطور طبيعي لسلسلة من الممكنات التي صنعها الإنسان عبر التاريخ، فكل مرحلة من مراحل التطور البشري كانت قائمة على أدوات: من المطرقة، إلى الطابعة، إلى معالجات النصوص، إلى الأنظمة الذكية التي لا تكتفي بفهم اللغة، بل تولّدها، وتحللها، وتقترح، وتعيد الصياغة، وتخلق المعنى.

لكن هذا كله، في جوهره، ليس بديلاً عن الإنسان المبدع، فالذكاء الاصطناعي مهما تقدم لا يبدع من العدم، فهو لا يُلهم، ولا يحلم، ولا يتألم، ولا يكتب لأن فكرة نبتت في قلبه.

بل هو مرآة تعكس، ومحرك يُسرّع، وأداة تُتقن، شأنه شأن الآلة الحاسبة ومشتقاتها!

الخوف من الذكاء الاصطناعي، أو ما يُعرف بـ«فوبيا الآلة الذكية»، هو في جوهره شكّ في القدرة، وخوف من المستقبل لا من التقنية.

يخشاه الموظف الذي لا يتعلم، والكاتب الذي لا يطوّر أدواته، والكسول الذي توقّف عند نقطة واحدة من ذاته.

لكن الحقيقة أن الذكاء الاصطناعي، لا يُقصي المبدع تحديداً، بل يعظّم أثره، ويثري قدراته، ويبرز قدرته، لكن ذلك يتطلب براعة ذكية في هندسة الأوامر والتعمق في توجيه الـAI، فما ينجزه العقل البشري في ساعات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوسعه في دقائق، ويُعيد ترتيبه، ويُنمذجه، ويختبره في بيئات متعددة.

في مجالات مثل التحليل، والإحصاء، والرقمنة، والتنظيم، والتوجيه، وحتى التنبؤ، أصبح الذكاء الاصطناعي عنصراً لا يمكن تجاهله.

لكنه -ورغم كل قدراته- ما زال يحتاج إلى الفكرة الأولى، إلى الجملة الأولى، إلى المعنى الذي ينبض من عقل بشري وحسّ إبداعي..

وإذا أردنا حقاً أن نستثمر في الذكاء الاصطناعي، فعلينا أولاً أن نستثمر في الذكاء البشري، فمن دون عقل مبدع، لا معنى لأعظم آلة. ومن دون فكرة، لا قيمة لأذكى خوارزمية.

الذكاء الاصطناعي، في نهاية الأمر، ليس خصماً.

بل هو الامتداد التقني الطبيعي للكاتب، والمصمم، والمفكر، والمبتكر، لكل من عرف أن الإبداع الحقيقي لا يمكن اختزاله في شفرة وبرمجة.

أخبار ذات صلة

 




المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى