أخبار العالم

الرأي والرأي الآخر..! – أخبار السعودية – كورا نيو



تعج منطقتنا بظاهرة مجتمعية عجيبة هي رفض الرأي الآخر في العالم العربي. وهي في حقيقتها ليست سمة «فطرية» في الشخصية العربية، بل هي نتيجة تراكمية لسياقات تاريخية وسياسية واجتماعية، وأسباب معقدة ومتشابكة، تاريخية واجتماعية وسياسية. فمن الناحية السياسية عانت أغلب المنطقة العربية من الاستعمار والاستبداد الأجنبي والعثماني. ومن الناحية الاجتماعية والثقافية، البنية القبلية والعشائرية التي ترتكز على تقديس الانتماء والولاء للجماعة وليس للفرد، والتي يُعتبر فيها الرأي المخالف «شَقًّا للصَف» و«تقسيمًا للجماعة»، مما يهدد تماسكها وأمنها. هذه الثقافة امتدت إلى أشكال حديثة من «الجماعات» (حزب، طائفة، عائلة كبيرة). كما ساهمت التربية الأسرية والمدرسية التي تقوم على التلقين والحفظ وليس على النقد والتحليل والسؤال، وعلى الطاعة العمياء للأب والمعلم دون مناقشة، مما يخلق جيلاً غير معتاد على تقبل الاختلاف. كما أن الاستعمار والسردية الغربية التي وصمت ورسّخت فكرة تخلّف المنطقة العربية وثقافتها أدّت إلى تبني بعض من تلقى تعليمه في الخارج أو تأثر بهذه السردية الغربية لتأصيل القبول بكل شيء يصلنا من الغرب، والانبهار به ورفض ما سواه، والاستسلام لما يراه واقعاً لا يمكن تغييره.
كذلك ساهم التفسير الأحادي للنصوص وتقديم تفسير واحد مقدس للنصوص الدينية، واعتبار المخالف مبتدعًا أو ضالًّا في تأصيل هذه الظاهرة الثقافية. كما ساهمت معظم وسائل الإعلام، إما حكومية أو تابعة لأحزاب وتيارات محددة، في تفاقم هذه الظاهرة. فهذه الوسائل الإعلامية نادرًا ما تقدّم منصات حيادية، حيث تقوم على تعزيز وجهة نظر واحدة وتُشَيطن الآخر، ولا تُقدّم نموذجًا للحوار بين الأضداد. كل ذلك فاقم من ضعف ثقافة الحوار. وأصبح هناك خلط شائع بين «الاختلاف في الرأي» و«الخلاف الشخصي»، حيث كثيرًا ما يتحوّل النقاش حول فكرة ما إلى هجوم شخصي على صاحبها، مما يقتل أي إمكانية للحوار البناء.
هذه الظاهرة نجدها في جميع المستويات، من القضايا الهامة وصولاً إلى المواضيع اليومية البسيطة، الأمر الذي يجعل كثيرًا من الطرح الذي يقدّم في القضايا الهامة، مثل القضية الفلسطينية، إما متأثرًا بالسردية الغربية أو الإسرائيلية التي تقوم على أن الكيان المحتل قدر وحقيقة يجب التعايش معها، وخاصة في ظل فساد بعض القيادات الفلسطينية أو وقوف الدول الغربية مع هذا الكيان المحتل سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا. وينسى البعض من هؤلاء حقيقة أن هذا الكيان خطر وجودي وتوسعي يعمل على خلخلة المنطقة وشغلها عن التنمية، أو هو متأثر بالأيديولوجيات القومية أو الدينية والحركية مثل الإخوان المسلمين. الشاهد أن كل حزب بما لديهم فرحون، فبعض من تشبّع بسردية الغرب تشبع أيضًا بالشعور الاستعلائي وأصبح يخاف من المخالف وينظر إليه نظرة علوية.
مشكلة رفض الرأي الآخر ظاهرة يستوي أمامها المتعلم وغير المتعلم والأديب والمثقف والناقد إلا من رحم ربي. وخطورة هذه الظاهرة تكمن في ضيق الأفق ومحدودية الخيار. في ظل ظاهرة الرأي الواحد تضيع من الأقدام الطريق. وتفقد أفضل الخيارات المتاحة مقابل المتوهم والمتخيل نتيجة المكان أو الثقافة أو الجهل المقدس. لكن الأمل يبقى قائماً في أولئك الذين يرون في الاختلاف ثراءً لا تهديداً، وفي الحوار جسراً لا حاجزاً.

أخبار ذات صلة

 


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى