أخبار العالم

السليط – أخبار السعودية | صحيفة عكاظ – كورا نيو



لمعة السليط تبهج العين، ورائحته تدخل في شعب الرأس، تاريخه موصول بجمال الحياة، فإذا ذهبت إلى ضوء السليط في سراج امرئ القيس، فمن سعة الحنين، وإذا ذهبت إلى الطعم والطعام، فمن عشق للحياة، وعليه، بقدر مراوحة الكلمات، بقدر الأخذ بيد المحب للسير في ظل البهجة!

قبل الدخول إلى زيت السليط سيكون البدء من حبوبه المسماة بالسمسم، التي يسميها السومريون (SHE_GISH_NI) وهذا الاسم قريب من اسم (جلجلان) المتعارف عليه في جازان!

عن السمسم يقول علي الشوك: «جرى ذكر السمسم منذ سلالة أور الثالثة، وكان يزرع في الصين، والهند منذ أزمنة قديمة، ولعل أصله من آسيا أو شرق أفريقيا كما جاء في الموسوعة البريطانية، وكان حب السمسم يستعمل بمثابة عملة نقدية في القرن السادس قبل الميلاد، وعرفت حلاوة السمسم منذ أيام سومر وبابل (السمسمية)، وكذلك في اليونان القديمة، واستعمله الصينيون قبل خمسة آلاف سنة، وكانوا يحرقون زيته للحصول على أفضل أنواع الحبر الصيني، من سناجه (رواسب دخانه) واستعمله الرومان مع الكمون كمطيب مع الخبز، وكان يعتقد أن له مزايا سحرية، من هنا (افتح يا سمسم) في ألف ليلة وليلة».

كلام علي الشوك يفتح آفاقاً عن السمسم من حيث موطنه، وقيمته في الحضارات القديمة، لكن لو سأل سائل عن مزاياه السحرية، وعلاقته بـ«افتح يا سمسم» في ألف ليلة وليلة، فهل سيخرج بشيء؟

ما أذكره -من زمن الطفولة في جازان- حلاوة السمسم التي تصنع في البيوت وتسمى (المَسْبُوكَة)، وأكل السمسم مع التمر، وكنت أسمع الكبار يشيرون بحبوب السمسم للمرضى بالفاحس (قرحة المعدة)!

لقد كان دور حبوب السمسم محدوداً في حياة الناس في جازان، ومهما انتفض الخيال ليعطي تصوراً عن حبوب السمسم ويربطها بـ«افتح يا سمسم» في ألف ليلة وليلة، فأظن الخيال لن يذهب بعيداً، إلا إذا كان المعنى بـ«افتح يا سمسم» يدل على الزيت المسمى السليط!

في جازان يسمى زيت السمسم (سليط)، ويسميه البعض (سليطو) بإضافة حرف الواو، الذي يدخل على الأسماء في مناطق عدة من جنوب المملكة، وتهامة اليمن، حيث يقال للحم (لحمو) والدقيق (دقيقو) والسمن (سمنو). وهذه الواو كما يذكر الباحث علي الشوك تعود للغة الأكادية مدللاً على ذلك بـ«سطر.. بالسريانية: سراط، خط، رسم، لكن الكلمة بالأكادية: شطرو»، بل يضيف أن الواو تدخل على الفعل «لقط العربية، ومثلها العبرية، والآرامية، والأكادية لاقاتو».

فهل الأكادية كانت لغة في جازان وما جاورها وانتقلت مع القبائل التي هاجرت للفراتين والشام؟ أم انتقلت اللغة من الفراتين والشام إلى الجزيرة العربية ومنها منطقة جازان؟

هذا الأمر يترك للمهتمين بأمور اللغة، أنا يهمني السليط!

لذلك سأضع على طاولة أمامي عدة قوارير سليط من سمسم جازان، ومن سمسم اليمن، ومن سمسم السودان، ومن سمسم الهند، وقبل أن أقلب نظري في القوارير، سآخذ من كل قارورة رشفة كما كان الأعشى يرتشف راحه، لكي أعرف الاختلاف ما بين القوارير!

طبعا لن أحدثكم عن الاختلافات في الطَّعْمِ بين سليط وآخر، لأن الطَّعْمَ خاضع للذوق الفردي، وما أراه جيداً من هذا السليط، يكون غير جيد عند متذوق آخر، لذا سأترك مسألة الذائقة، وسيكون الكلام عن الاختلاف في ألوان السليط!

هذا الاختلاف في الألوان، سببه طبيعة الأرض والمناخ والماء. إذا تأملت بنظرك القوارير، ستجد قارورة سليطها ذهبي بلون الشمس وقت الشروق، وقاروة سليطها أصفر بلون الشمس قبل الغروب، وقارورة سليطها زعفراني بلون نجمة الزهرة، لكن إذا رأيت قارورة سليطها فضي بلون القمر في الليالي البيض، هل ستصدق نظرك؟

لابد أن تصدق. العرب قبل الإسلام سموا القمر (سليطيط)، وكان إلهاً يعبد، فلماذا جاء هذا الإله مصغراً، بعكس الآلهة القمرية الأخرى مثل (ود، هبل) ذات الصيت والسمعة الكبيرة؟

أظن الإله (سليطيط) خاص بالفرح والرقص في الليالي البيض، ولأن زمن الليالي البيض قصير (ثلاث ليالٍ) سموا القمر (سليطيط)، أو لعل (سليطيط) مرتبط بالسفر والترحال بالليل.. ربما، فالمعنيون لهم إله يسمى (ذات نشق) هذا الإله مختص بحفظ الأموال، وأرواح رجال القافلة، والقوافل التجارية -زمان- أغلب مساراتها في الليل، وعليه يكون الإله (ذات نشق) قمري، ولأن نوره يتغير على مدار الشهر، سموه (سليطيط)!

أمر آخر الفعل (نشق) معناه أشعل النار، أو أشعل الضوء، وفعل الإشعال للسليط مرتبط بالليل يقول الشاعر امرؤ القيس:

يضيء سناه أو مصابيح راهب

أمال السليط بالذبال المفتل

فهل ربط السليط بالضوء كبديل عن القمر (سليطيط) له دلالة على تسمية زيت السمسم بـ(السليط)؟

هذا السؤال لا إجابة عندي عليه، ما أعرفه أن السليط كان حاضراً في غالبية الجزيرة العربية، بل في شمالها المشهور بزراعة الزيتون.. يقول استرابون عن الأنباط «ومعظم البلاد مزودة بضروب الثمار إلا الزيتون، وبدلاً منه يستعمل زيت السمسم».

إن حضور السليط كزيت للضوء، يدل على مدى أهميته في حياة الناس قديماً؛ التي بقي منها استخدامه كزيت للطعام، وفي صناعة الحلويات، كما يستخدم السليط كعلاج لبعض الأمراض كآلام العظام والأعصاب.

اللافت -في جازان قديماً- استخدامه بكثرة في حياة المرأة، فبعد الولادة تداوم الأم على مسح رأس طفلها بالسليط لعدة أيام، كما ينشق الطفل بالسليط والمر، كما تصنع المرأة ما يسمى (المُرْخَة) التي تتكون من الطيب مخلوطاً بالسليط وتدهن به المرأة جسدها، كما تدهن جسد الزوج، وهذه أمور كلها تجري ليلاً.

إن حضور السليط ليلاً في حياة المرأة، لا يبتعد عن علاقة السليط بالقمر والأنوثة والخصب.

أخبار ذات صلة

 


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى