الصداقة.. وتناقضات المصالح القومية – أخبار السعودية – كورا نيو

الصداقة الأمريكية الهندية في أول اختبار لها، كشفت عن أنها لا تقوم على ركائز التفاهم والاحترام المتبادل، وعلى مصالح إستراتيجية أو اقتصادية مشتركة، مثل التبادلات التجارية، الاستثمارات، والتعاون في المجالات العلمية والتكنولوجية. الرئيس الهندي مودي لم تشفع له الكلمات الودية التي تغنت بها الإدارة الأمريكية. لا شك أن الصداقة بين الدول لا تعني غياب الاختلافات أو النزاعات، لكنها تعني القدرة على معالجة هذه القضايا والاختلافات بطريقة بنّاءة وسلمية. غير أن أمريكا مفهومها للصداقة يقوم على المصلحة التي تصب في جانب أمريكا أولاً. كلمات الود، الصداقة، الوعود والاتفاقيات في القاموس الأمريكي تعني أن هناك مصلحة لأمريكا تنتهي فوراً إذا رأت أمريكا غير ذلك. انظر كيف تعامل أمريكا أوكرانيا، أوروبا، الهند وغيرها من البلاد الصديقة لينكشف معنى الصداقة الأمريكية.
لكي يمكن فهم سياسات وأسلوب الولايات المتحدة الأمريكية، يستلزم الرجوع إلى مدارسها الفكرية التي تقوم عليها ولا تخرج عنها لأنها تتحرك وفقاً لهذه المدارس الفكرية التي تضع الخطوط العريضة للسياسات الأمريكية الخارجية. إن التناقض والتعارض في السياسات الأمريكية الذي يلمسه المتابع للأحداث السياسية يفهم في ضوء هذه المدارس الفكرية السياسية المتناقضة، مثل سياسة الاعتزال وسياسة التدخل. المتابع للسياسات الأمريكية يجد أن الذي يشكّل الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة يقوم على أساس مدرستين فكريتين، ركّزتا معاً على تحقيق نظام دولي مستقر تكون الولايات المتحدة مركزه. هاتان المدرستان هما: المدرسة الهاملتونية التي ترتكز فكرتها على أن ازدهار أمريكا وقوتها وأمنها يرتبط بقدرة الشركات والمؤسسات الاقتصادية الأمريكية على النمو. فكان الرهان لديها على الاقتصاد. والمدرسة الويلسونية، التي أدخلت أمريكا الحرب العالمية الأولى وأنشأت عصبة الأمم، وتتبنى هذه المدرسة نشر القيم الأمريكية في العالم، خصوصاً الديموقراطية، باعتبارها رسالة الولايات المتحدة، الضامنة الأساسية لأمنها وسلامتها.
لهذا نجد أن أمريكا تحمّل شركاءها فواتير باهظة، ولا تقبل بالاختلاف. يقول المفكر الأمريكي جون مارشيمير، الذي كسب شهرة واسعة بعدما تنبأ بأزمة أوكرانيا-روسيا قبل حدوثها بسنوات «عندما تقول أمريكا إنها تريد نشر الديمقراطية في بلد ما، فهذا يعني أنها تريد إسقاط نظام تلك الدولة»، ويضيف: «أمريكا لا تهدف لنشر الديمقراطية، بل لتعيين حكومات موالية لها».
الولايات المتحدة الأمريكية في جميع مدارسها الفكرية تؤمن بالقوة وتميل إلى المدرسة الواقعية السياسية، ترى أن أهم عنصر من عناصر السياسة الخارجية الدولية هو القوة في العلاقات الدولية، حيث لا وجود لسلطة عليا تحمي الدول، لذلك كلما قويت الدولة استطاعت حماية مصالحها بخلاف الدولة الضعيفة التي تكون مستغلة من الدول الأقوى. ومن هنا يتضح مدى أهمية توازن القوى في السياسات الدولية. الواقعيون يرون أنه لا فرق بين الدولة الديموقراطية أو الأوتوقراطية، أو الفاشية، أو الشرعية؛ لأن جميع الدول تعمل في نظام لا سلطة عليا فيه.
وعليه، فإن التحية الودية «يا صديقي مودي» لا تعكس إلا القشرة الخارجية لعلاقةٍ تخضع في جوهرها لحسابات باردة لا مكان فيها للمشاعر. فالاختبار الحقيقي لأي تحالف لا يكمن في غياب الخلاف، بل في كيفية إدارته عند ظهور تناقض المصالح. هنا تكشف الواقعية الأمريكية عن وجهها الصارم: فالصداقة هي إطار مؤقت يسهل تفككه لحظة تعارضه مع المصلحة القومية للولايات المتحدة، كما تُمليها مدارسها الفكرية التأسيسية.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات