أخبار العالم

العمل لا يُلغي صلاة الجمعة – أخبار السعودية – كورا نيو



لستُ ممن يجنح، إلى أن المقصود بنداء الجُمعة، الدعوة لأداء صلاة الظهر التي هي المقصودة في آية الجمعة، وهناك من يسبّب هذا النداء، بكون الناس تجتمع للتبضع والتسوّق، فناداهم لصلاة الظهر المعتادة، كي لا ينشغلوا بالدنيوي، عن الدِّيني؛ إلا أنّه لا شكّ عندي في فرضيّة صلاة الجمعة بالسنّة القولية والفعليّة، والتواتر العملي الذي حملته ألوف مؤلفة من المسلمين عبر التاريخ.

وما لفت انتباهي عندما طرقت فكرة هذا الموضوع باب دماغي، أو أنه طرق بابها، أن الإسلام لم يفرض على المسلمين، يوم راحة شأن اليهود الذين ألزمهم بالراحة يوم السبت؛ والنصارى الذين جعل من الأحد يوم راحتهم، دون خوض في الأسباب التي ربما تُشوّش على النفس، وتكدّر الخاطر، وليس كل ما لدى اليهود والنصارى ممنوعاً على المسلمين؛ ومن الأدلة على ذلك (شرع من قبلنا شرعٌ لنا).

وكان مما أدركته في مجتمعات القُرى أن الأهالي ينطلقون من الحقول، والوديان؛ والمراعي، والدكاكين، إلى مساجدهم لإقامة صلاة الجمعة، وقِلّة يأتون من البيوت؛ امتثالاً لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، وما كانوا كلهم أهلَ بيعٍ، لكنه تعبير بالغالب، أو بسبب النزول، وكان امتثالهم أكبر للآية التالية (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لأنهم سرعان ما يعودون إلى نشاطهم، شأن بقيّة الأيام، ومن أمثالهم الدارجة (أيامُ الله سوا).

ولربما حدث التحوّل في حياة الناس، في الزمن الوظيفي، وآثرت بعض الدول أن تجعل الجمعة يوم راحة لأجل التفرغ للصلاة والتعبّد، علماً بأن في الدول أجهزة كثيرة لا ترتاح، ولا تُعطّل، وتقوم بعملها في يوم الجمعة، شأن بقيّة الأسبوع، وموظفوها يسعون للجوامع وقت النداء؛ ومن ثم يستأنفون العمل، والآية الكريمة من سورة الجمعة؛ لم تلغِ السوق لوجود صلاة؛ بل علّقت النشاطات خلال زمن الأداء القصير، وبهذا نتيقن أنه لا العمل يوم الجمعة يُلغي فرضيّة صلاة الجمعة أو يُعطّلها، ولا صلاة الجمعة كانت مُبرراً للتخلي عن عمل.

وقطعاً لكل عبادة حِكم ومقاصد، منها ما هو ظاهر ومنها الاستنباطي، ومنها ما لا يعلمه إلا الله؛ ومن عِلل صلاة الجمعة الظاهرة؛ التقاء المسلمين، وتفقد بعضهم، وتعزيز التكافل، وإظهار أنفسهم أمام غيرهم، وليس فرضها تعبّديّاً محضاً، علماً بأن الإسلام لم يجعل من التكاليف الشرعية عبئاً على المُكلّف، ولم يصادم بين دِين المسلم ودنياه، ففي الحج قال تعالى (لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ)، وفسّر فقهاء المنافع بالتجارة ومنافع الدنيا.

ولنا في المسلمين خلال شهر رمضان، نموذج ومثال حيّ وحيوي، فالشعوب المسلمة تصوم وتعمل من الصباح إلى العصر، دون إخلال بالفريضة ولا استهانة بالواجب العملي، وبما أن دِين الإسلام دين العمل والإنتاج فلن تكون عبادة من العبادات عائقاً للإنتاج، في ظل إمكانية أداء العبادي مع العمل الذي هو أيضاً عبادة فعلها مُتعدٍّ وليس قاصراً، والجمع بين مصلحتين أولى من إلغاء إحداهما.

بالطبع الجمعة؛ عند جمهور الفقهاء ليست بديلةً عن الظهر، بل صلاة مستقلّة؛ ووقتها من الأوقات الموسّعة، والوقت شرط لصحة الصلاة؛ لكن ليس للجمعة وقتاً خاصاً بها، بل وقتها وقت صلاة الظهر، الذي يمكنه استيعاب صلاة الجمعة، بدءًا من الزوال أو قبله إلى وقت العصر، ولو تأخّر وقتها عن وقت صلاة الظهر حالياً لساعة أو ساعتين فلن يفوّت مصلحةً دينية ولا دنيوية؛ بل ربما يترتب عليه مصلحة عليا.

ومن المشهور عن المالكية تأخير وقت الظهر والجمعة إلى ما قبل العصر بقليل، وأداء الصلاتين (الجمعة والعصر) في وقت واحد، اعتماداً على فهمهم للجمع؛ الذي هو عندهم صوري.

وبما أن الجمعة لا تمنع العمل بنصّ الآية؛ والعمل لا يعطّل الجمعة؛ ومن تمسك بوقتها الحالي؛ يمكن منحه وقتاً للصلاة؛ وهو على رأس عمله؛ إذ لا يتجاوز على الأكثر نصف ساعة؛ وإن صدرت فتوى بتأخيرها فربما ارتفع حرج عن الموظف وغيره؛ والقرار الذي يترتب عليه مصلحة؛ إن لم يخالف مقصداً شرعياً صريحاً، ولا دليلاً من كتاب أو سُنّة؛ ولا إجماع، ولا يُفوّت مصلحةً مساوية أو راجحة، يعدّ من الشرع، أخذاً بالمصالح التي يراها ويعتمدها وليُّ الأمر.

أخبار ذات صلة

 


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى