الكيف المميت! – أخبار السعودية – كورا نيو

رغم ما وضعته وزارة البلديات من اشتراطات تنظيمية صارمة لمتاجر منتجات التبغ والمعسلات، تتضمن تحديد المواقع وإلزام الترخيص ومنع البيع لمن هم دون 18 عاماً والتحذير من أضرار التدخين، فإن الواقع في عدد من الأحياء السكنية يُظهر صورة مغايرة تماماً؛ ففي مشهد مألوف، تنتشر محلات المعسلات بنكهاتها المتعددة داخل الأحياء، وفي محاذاة البقالات الصغيرة، وتبرز (الأرجيلات الملونة) خلف الزجاج الشفاف، في صورة تغري الصغار والمراهقين، وتفتح لهم باب الوصول إلى التبغ بكل يسر، رغم أن الأنظمة تمنع ذلك.
ويؤكد عدد من الآباء أهمية تشديد الرقابة؛ لضمان تقليل المخاطر والتداعيات الصحية والاجتماعية، إذ قال فهد الروقي لـ«عكاظ»: «البعض اتجه للمعسل بعد ارتفاع أسعار الدخان بحثاً عن (الكيف المزعوم) في وقت أن الخطر واحد على الصحة»، ويذهب عبدالعزيز السفياني، إلى أن الكيف قد يكون مميتاً لو نظرنا لحجم التحذيرات حوله، فيما أكد نواف العتيبي «ضرورة وضع ضوابط صارمة على طريقة عرضها بصوره لافتة ومغرية خلف الزجاج».
ويستعرض عدد من المختصين الآثار الصحية والاجتماعية والمادية المترتبة على انتشار المعسلات وما يمكن تفاديه من مخاطر.
جلسة تعادل عشرات السجائر
استشاري الباطنة والأمراض الصدرية الدكتور بدر الحارثي، يقول: «إن المعسل لا يزال من أكثر منتجات التبغ انتشاراً بين الشباب، ويُستخدم بكثرة في المقاهي، فالبعض يظنه أقل ضرراً من السجائر، لكن الحقيقة أن جلسة واحدة من المعسل تعادل تدخين عشرات السجائر، وتُدخل الجسم كميات كبيرة من النيكوتين والمواد السامة التي تضر القلب والرئتين وتزيد من خطر الإصابة بالسرطان». مشيراً إلى انتشار وتزايد السجائر الإلكترونية خصوصاً بين المراهقين؛ بسبب سهولة استخدامها وحملها في الجيب، إلى جانب توفرها بنكهات جذابة، والخطر الأكبر هو ارتفاع نسبة النيكوتين في بعض الأنواع، مما يؤدي إلى إدمان سريع، خصوصاً بين صغار السن والمراهقين.ويضيف الحارثي لـ«عكاظ»:: رغم أن بعض الحملات تروّج لها على أنها أقل ضرراً، إلا أن الدراسات أثبتت العكس. مضيفاً: «نُشرت دراسة 2019م، في مجلة الجمعية الأمريكية للقلب، وجدت أن مستخدمي السجائر الإلكترونية معرضون أكثر لأمراض القلب».
وطبقاً للحارثي، فإن دراسة أخرى نُشرت 2020م، في مجلة الطب الباطني العام، أظهرت أن مستخدمي هذه الأجهزة من الشباب كانوا أكثر عرضة للإصابة بمشكلات تنفسية مثل السعال المزمن والربو وضيق التنفس، حتى لو لم يسبق لهم تدخين السجائر العادية، مؤكداً أن بعض الدول بدأت في منع بيع السجائر الإلكترونية التي تحتوي على تركيزات عالية من النيكوتين. واختتم الحارثي حديثه بأن «جميع أنواع التبغ لا يوجد منها أي منتج آمن وفي بعض الحالات، قد تكون الأضرار شديدة وخطرة على الصحة».
مفاهيم مرتبطة بالمظهر
المحللة الاقتصادية روان بنت ربيعان، ترى أن الإنفاق على (المعسلات) بات يشكّل نمطاً استهلاكياً متكرراً يفتقر إلى الجدوى، ويُصنف ضمن الاستنزاف المالي غير المنتج، اذ تُوجَّه مبالغ كبيرة من دخل الأفراد إلى عادة لا تدر أي عائد صحي أو اقتصادي، واللافت أن بعض المستهلكين بدأوا يدرجون هذه العادة ضمن نمط حياتهم اليومي، بل ويعتبرونها جزءاً من حضورهم الاجتماعي؛ ما يعزز ثقافة الإنفاق على الكماليات بدلاً من توجيه الموارد نحو أوجه استثمارية أو تنموية شخصية.
وأضافت بنت ربيعان لـ«عكاظ»:، «مع التوسع السريع لمحلات بيع المعسلات في الأحياء، وارتفاع الإقبال عليها، أصبحت تمارس دوراً يشبه (السلعة اليومية)، ما يعيد تشكيل أولويات الاستهلاك لدى شرائح من المجتمع بطريقة قد تُضعف القوة الشرائية مستقبلاً، وتؤثر سلباً على قدرة الفرد على الادخار أو الاستقرار المالي». وأكدت بنت ربيعان ضرورة رفع الوعي المالي إلى جانب التوعية الصحية لتصحيح المسار الاستهلاكي وربط الإنفاق بالقيمة الحقيقية والعائد طويل المدى، بعيداً عن الضغوط الاجتماعية أو المفاهيم المرتبطة بالمظهر.
لماذا قُرب البقالات؟
الأخصائية الاجتماعية مناهل الجعيد، تقول: في السنوات الأخيرة لوحظ انتشار كبير لمحلات بيع المعسلات في الأحياء السكنية، وتحديداً قرب البقالات التي يرتادها أفراد الأسرة، بمن فيهم الأطفال والمراهقون، وهذا الانتشار المقلق لا يهدد فقط الصحة العامة، بل يزرع بذور مشكلة اجتماعية وصحية خطيرة تبدأ في سن مبكرة وقد تمتد سنوات. وعن الأثر الاجتماعي والنفسي على النشء أكدت مناهل لـ«عكاظ»: «إن وجود محلات المعسل قرب البقالات والأماكن التي يتردد عليها النشء يجعل المعسل في متناول أعينهم وفضولهم، في مجتمع تتنامى فيه الضغوط الاجتماعية والرغبة في تقليد الكبار أو الأصدقاء، وقد يجد المراهقون في المعسل باباً للهروب أو التجربة أو لفت الانتباه، ومن هنا يبدأ الانزلاق إلى سلوكيات غير صحية، تؤثر على تحصيلهم الدراسي، وصحتهم النفسية، وعلاقاتهم الأسرية».
أعيدوا النظر في التراخيص!
مناهل الجعيد تشدّد على دور الآباء والأمهات في تحصين الأبناء من الوقوع في هذه العادة الخطيرة، ويكون ذلك الحوار المفتوح والتحدث مع الأبناء عن مخاطر المعسل بطريقة مناسبة لأعمارهم دون تخويف مبالغ فيه، والابتعاد عن التدخين أمام الأطفال، فالسلوك يُكتسب غالباً من المنزل، ومعرفة أماكن تواجد الأبناء وأصدقائهم والأنشطة التي يشاركون بها، وإشغال أوقات فراغ الأطفال بأنشطة مفيدة، مثل الرياضة أو البرامج التطوعية أو المهارات الفنية.
ودعت الاخصائية الجعيد الجهات المختصة إلى «إعادة النظر في ترخيص محلات المعسل قرب الأحياء السكنية، وفرض ضوابط واضحة تنظم أماكن تواجدها، وتمنع بيعها للقُصّر، كما أن حملات التوعية المستمرة في المدارس والإعلام تُعدّ وسيلة مهمة لخلق وعي عام بخطورتها». وأكدت أن التصدي لظاهرة المعسلات مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة، وتستكملها المدرسة والمجتمع، ويجب أن يُتخذ هذا الأمر بجدية قبل أن يتحول إلى أزمة صحية واجتماعية متفاقمة بين شبابنا.
من جانبها، كشفت وزارة البلديات والإسكان أن اشتراطات محلات بيع التبغ تهدف إلى تعزيز الصحة العامة وحماية غير المدخنين والأطفال من التسويق المباشر وغير المباشر لمنتجات التبغ وما في حكمها، وتعزيز التزام المستثمرين والمستهلكين بالأنظمة واللوائح القائمة ذات الصلة.
الإعلام الرقمي أسهل طريقة للتوعية
المحاضر بقسم الإعلام في جامعة الطائف الدكتور ناعس العضياني، قال لـ«عكاظ»: إن للدخان والمعسل أثراً على الصحة والمال، وتعمل وزارة الصحة والجهات المسؤولة بالتوعية الإعلامية المتنوعة لتوضيح ضرر الآفة الخطيرة، ولابد أن يكون للإعلام دور واضح في التوعية الصحية، خصوصاً إلى صغار السن والشباب. وانتشار محلات المعسل والدخان داخل الأحياء والشوارع يسهل الوصول إليها وعلى الإعلام دور مجتمعي للتوعية بأضرار التدخين وبيان الأمراض التي تنتج عن استخدامه، وتوضيح الإجراءات النظامية حيال بيع الدخان والمعسل لصغار السن.
وأضاف: «وسائل الإعلام، خصوصاً الإعلام الرقم،ي أصبح اليوم جزءاً من حياة الناس من حيث التعليم والترفيه والتسلية ما يسهل على القائمين بالحملات التوعوية الوصول إلى كافة فئات المجتمع وبث رسائل موجهة للأطفال وأولياء الأمور للحد من التعرض للتدخين ما يجعل الرقابة الذاتية صمام الأمان دون تأثر بهذه المحلات وانتشارها، وكذلك إبراز الجولات الرقابية التي تقوم بها الجهات المسؤولة من وزارة التجارة ووزارة الصحة وغيرهما لهذه المحلات ومدى التزامها بالتعليمات».
ممنوع دخول أقل من 18
في الاشتراطات التشغيلية لمحلات منتجات التبغ يجب الحصول على الترخيص البلدي قبل البدء في أعمال التشغيل، ويمنع ممارسة نشاط مخالف لما تم الترخيص له، ولا يسمح بإضافة أنشطة إضافية، ولا يسمح بإضافة النشاط إلى أنشطة أخرى، ومنع ممارسة النشاط خارج حدود المنشأة المرخص لها أو استخدام الأرصفة العامة أو مناطق الارتداد، كما يمنع نزع أو تغطية ملصق إغلاق المحل، وفي حالة إغلاق المحل من الأمانة/ البلدية، يمنع إعادة فتح المحل/ المنشأة لحين معالجة المخالفة وموافقة الأمانة/ البلدية على استئناف ممارسة النشاط. ويجب أن تكون واجهة المحل خالية من الملصقات ما عدا الملصقات التي تشير إلى طريق الدخول والخروج، وأوقات العمل، وملصقات طرق الدفع الإلكتروني، وملصق رمز (QR)، وتعليمات الجهات الحكومية، كما يمنع وضع لافتات تحذيرية أو أي وسيلة كانت لمنع الوقوف أمام المحلات، ويمنع إغلاق المواقف المعتمدة في رخصة البناء للمحلات التي تكون جزءاً من مبنى قائم، ومنع استخدام المحل في تخزين المواد التي ليس لها علاقة بالنشاط، ويجب توفير صندوق الإسعافات الأولية في المنشأة، ويمنع الدخول أو البيع لمن تقل أعمارهم عن 18 سنة أو ما يحدده نظام مكافحة التدخين، ويجب على البائع الطلب من المشتري تقديم دليل على بلوغه هذا السن.
اكشفوا الأبعاد الخفية
المتخصصة في شؤون الإعلام لمى العتيبي، قالت لـ«عكاظ»: في ظل تزايد استخدام المعسلات بين أفراد وفئات المجتمع، تبرز أهمية الدور الإعلامي في التثقيف والتوعية المجتمعية، لما تحمله هذه الظاهرة من أبعاد صحية خطيرة وتأثيرات اجتماعية واقتصادية تمسّ الفرد والأسرة على حدّ سواء، ومن هنا تبرز ضرورة تكاتف الجهود بين الجهات ذات العلاقة لبناء وعي جماهيري واسع حول مخاطر المعسلات، ليس فقط من الناحية الصحية، بل أيضاً من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وذلك لمواجهة هذا الخطر المتنامي، اذ يتعاظم الدور الحيوي الذي يؤديه الإعلام في تعزيز الوعي المجتمعي، من خلال تسليط الضوء على هذه الظاهرة وتثقيف الجمهور بحقيقتها وأضرارها عبر مختلف المنصات، إسهاماً في الحد من انتشار هذه العادة عبر رسائل توعوية مؤثرة.
وأكدت العتيبي أهمية الدور الحقيقي للإعلام في تسليط الضوء على هذه الأبعاد الخفية، سواء الصحية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، من خلال عرض قصص واقعية، وإجراء لقاءات مع مختصين في الطب النفسي والاجتماعي، لبيان التأثيرات النفسية والسلوكية المرتبطة باستخدام المعسلات. وأشارت إلى أن «التثقيف الفعّال لا يكون إلا شاملاً، ولا يُحقّق أثره الكامل إلا بتعاون الجهات المختصة، كلٌّ في مجاله، بما يُضاعف من قوة الرسائل وفعاليتها».
واختتمت العتيبي بالتأكيد على أن مواجهة ظاهرة انتشار المعسلات مسؤولية جماعية لا تقتصر على جهة بعينها، بل تتطلب تنسيقاً وتعاوناً بين جميع الجهات المختصة، ومن هنا فإن الاستثمار في الإعلام التوعوي يُعد استثماراً في صحة المجتمع وسلامته.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات