المشاهير.. «ظاهرة» أم مرحلة؟ – أخبار السعودية – كورا نيو

مصطلح «الظاهرة» يطلق على كل نمط من أنماط السلوك أو الممارسات أو الأفكار التي تظهر داخل المجتمع، وتتنامى بالتكرار والانتشار بين الأفراد حتى يصبح لها وجود وتموضع مستقل عن إرادتهم الفردية وتؤثر فيهم بقدر ما يتأثرون بها، وبما أن سلوك (المشاهير) ونمط حياتهم أصبح مؤثراً بشكل كبير في المجتمع في وقتنا الحالي فهم بالتالي (ظاهرة) ليست محلية فحسب، بل ظاهرة عالمية تجتاح كل وسائل التواصل إن لم يكونوا هم الذين يتحكمون ويحركون بوصلة هذه الوسائل بقصد أو بدون قصد.
حين تكون الظاهرة محمودة بآثار اجتماعية إيجابية فإنها محل احترام وشكر لمن أشاعها، ولكن حين تصبح الظاهرة سلوكيات مبتذلة تمثل مهدداً اجتماعياً للأخلاق والأسرة والقيم، وحين يتصرف الكثير من المراهقين وفقاً لما يراقبونه لدى المشاهير دون تمحيص وفلترة مما يشتت قناعاتهم، ويؤدي إلى سلوكيات غير واعية لا تتناسب مع المجتمع أو الأسرة من إبراز نمط حياة مبالغ فيه ليخلق ضغطاً نفسياً للإسراع نحو محاكاة ما يرونه، حتى لو كان زائلاً أو مضللاً، هنا يصبح فتح باب التحليل والبحث في هذه الظاهرة واجباً اجتماعياً للحد من تفاقم سلبياتها تجاه احترام القيم والتقاليد المحلية وكل ما يهدّد تماسك الهوية الثقافية.
تؤثر ظاهرة المشاهير بشكل مباشر على القيم الأخلاقية والاجتماعية للمجتمعات. ففي كثير من الأحيان، يعرض المشاهير أنماط حياة باهظة تُبنى على المظاهر السطحية والكمال الزائف، ما يُعزّز من ثقافة الاستهلاك والمادية فيميل المتابعون، وخاصة الشباب، إلى تقليد هذه الأنماط دون إدراك المخاطر أو الحقائق الكاملة، علاوة على ذلك، تُسهم الشهرة في تراجع قيمة الجهد والعمل الدؤوب، حيث يُنظر إلى النجاح على أنه مجرد فرصة أو ضربة حظ يمكن تحقيقها بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذا المفهوم يُضعف من قيمة التعليم والمهارات الحقيقية، ويُشجّع على البحث عن الشهرة السريعة بدلاً من النجاح المستدام، كما أن بعض المشاهير يروّجون لسلوكيات تتنافى مع العادات والتقاليد الاجتماعية، ما يُحدث تآكلاً في الهوية الثقافية ويُؤدّي إلى صراعات بين الأجيال وانسلاخ من الثوابت والمكارم، وعلى الصعيد الاقتصادي، تُعدّ ظاهرة المشاهير خللاً اقتصادياً للأسرة والمجتمع، حيث تُشكّل إعلانات المشاهير جزءاً أساسياً من إستراتيجيات التسويق للعديد من المنتجات والرديئة وتزييف حقيقتها والترويج للمنتجات التي لا تخضع لرقابة جودة صارمة، ما قد يُعرّض المستهلكين للخطر الصحي أو الخسائر الفادحة، وزيادة الإنفاق الاستهلاكي غير الضروري، حيث يُشجع المشاهير متابعيهم على شراء منتجات وخدمات قد لا يحتاجونها، وبالتالي تُساهم هذه الظاهرة في خلق ضغط مالي على الأفراد الذين يسعون إلى تقليد نمط حياة المشاهير، ما قد يُؤدي إلى ديون ومشاكل مالية.
تُسهم ظاهرة المشاهير في تغيير ثقافة المجتمع بشكل جذري. فبدلاً من أن يكون القدوة والمثال الأعلى من العلماء، أو المبتكرين، أو الشخصيات التي قدّمت إنجازات حقيقية للمجتمع، أصبح المشاهير هم النماذج التي تُحتذى. يُركّز الإعلام على حياتهم الشخصية وتفاصيلها بدلاً من تسليط الضوء على القدوات الحقيقية التي تُثري المجتمع. هذا التحول يُؤدّي إلى تغيير أولويات الأفراد، حيث يصبح المظهر الخارجي وعدد المتابعين أكثر أهمية من الإنجازات الشخصية والمساهمات الفكرية.
بالنهاية، لا يمكن إنكار أن الشهرة قد تكون أداة إيجابية للتغيير حين تتواءم وفق ضوابط المجتمع وقيمه، ولكن عند دراسة تأثيراتها السلبية، نجد أنها تُشكّل تحدياً كبيراً للمجتمعات الحديثة، فهي واقعاً تُساهم في تآكل القيم الأخلاقية، وتُعزّز من ثقافة الاستهلاك، وتُؤدّي إلى تحولات عميقة في مفهوم القدوة، ما يتطلب وعياً مجتمعياً أكبر لإدارة هذه الظاهرة بشكل مسؤول.
تشكّل ظاهرة المشاهير اليوم عطفاً على سلوكيات الكثير منهم معضلة اجتماعية ليست مستحيلة الحلول ولكنها تعتمد على المجتمعات نفسها فهي من تصنع وهي من تهدم وهي من تتوازن في التعاطي مع هذه الظواهر إن كانت إيجابية أم سلبية، وظاهرة الشهرة الزائفة اليوم تبدو وكأنها مرايا للقمر، ترتفع ببهرجتها وتتلاشى بخفوتها، فعالم المشاهير اللامع، بسطوته الإعلامية وتجاذبه النفسي، قد يُلهب وجدانَ الشباب ويخمد قوة وعيهم وبينما يرى البعض في الشهرة نافذة إلى عالم تختلف فيه القيم، فإن ذلك العالم قد يكون ساحةً من التضليل والمصارعة الخفية ضد الذات والمجتمع، وساحة للجريمة من غسيل أموال وابتزاز وتشهير، واختطاف كما حدث قبل أيام مع عدد من المشهورات اللاتي اخترن طريق الإجرام لتصفية حساباتهن ضد أخرى!
إن ظاهرة الشهرة الافتراضية، وإن وفّرت فرصاً لابتكار المحتوى والمجتمعات الجديدة، إلا أنها تحمل خطراً متنامياً على الاستقرار الأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي. ومما لا شك فيه أن المملكة من خلال المبادرات التنظيمية والتشريعية تتبنى موقفاً حازماً حيال التفلت من الضوابط العامة.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات