أخبار العالم

بداية التصحيح: آن أوان استعادة الثقة في المستشار المحلي – أخبار السعودية – كورا نيو



لسنواتٍ، استُحضرت الشركات الاستشارية الأجنبية بوصفها حَمَلة الحلول الجاهزة، وحراس «أفضل الممارسات العالمية»، والرديف الحتمي لأي مشروع وطني طموح. وتسللت قناعة راسخة إلى مؤسساتنا بأن التخطيط الجيد لا يصدر إلا من الخارج، وأن الرأي الصائب يرتبط بجنسية مقدم الخدمة، لا بجودة فهمه للسياق.

كان لهذا التصور ما يبرره في مرحلةٍ زمنية مضت، حين كانت المكاتب الوطنية محدودة القدرات، والكوادر المحلية في طور التكوين، وكانت المملكة في حاجة إلى الاستفادة من الخبرات المتقدمة.

لكن اليوم، نحن في مرحلة مختلفة تماماً.

ما نُقل مؤخراً من معلومات متداولة عن استبعاد إحدى الشركات الاستشارية الكبرى من مشاريع حكومية بسبب ضعف جودة مخرجاتها وتوصياتها غير المتلائمة مع الواقع، هو إشارة مهمة وإن لم تُعلن رسمياً إلى نضج جديد في التعامل مع مفهوم «الاستشارة». نضج يُعيد ترتيب الأولويات، ويُراجع مَن يستحق الثقة، ومَن لم يعد مناسباً لمتطلبات التحول الوطني الراهن.

لقد حان الوقت لنكف عن تسليم مفاتيح التفكير لمن لا يفهمنا، ولا يعايش واقعنا.

كثير من الشركات الأجنبية التي دخلت السوق السعودي خلال السنوات الماضية، قدّمت نماذج «جاهزة»، وتوصيات «معزولة عن الواقع»، وخططاً إستراتيجية تُعيد إنتاج تجارب عالمية لا تتناسب بالضرورة مع البيئة المحلية. والنتيجة؟ تأخير في الإنجاز، وهدر في الموارد، وتوصيات تفتقر إلى العمق والملاءمة.

لكن البديل موجود، وهو أقرب مما نتصور.

المنتج الاستشاري المحلي اليوم لم يعد كما كان. فبرامج الابتعاث والتدريب، وخبرة السعوديين في الهيئات الحكومية وشبه الحكومية، وانخراطهم في شركات دولية ومحلية، أفرزت جيلاً جديداً من المستشارين المحليين القادرين على المنافسة بجودة حقيقية، لا بمجرد الانتماء الوطني.

هؤلاء:

• يفهمون الأنظمة الإجرائية والتنظيمية داخل الجهات الحكومية والقطاعات المختلفة.

• يدركون السياقات الثقافية والاجتماعية التي تحيط بكل قرار، ويعرفون كيفية بناء توافقات مجتمعية حول السياسات العامة.

• يعرفون كيف يترجمون الرؤية الوطنية إلى مبادرات تنفيذية قابلة للقياس والنجاح.

• يستخدمون أدوات تحليل متقدمة، مقرونة بفهم دقيق للبيئة المحلية، وهو ما يفتقر إليه كثير من المستشارين الأجانب.

الأهم من ذلك: أن هؤلاء المستشارين لا يرون أنفسهم طرفاً خارجياً في المعادلة، بل شركاء حقيقيين في النجاح الوطني.

فما المطلوب؟

1. وضع معايير وطنية تُمكّن المكاتب المحلية المؤهلة من المشاركة في المشاريع الكبرى، لا كمقاولين فرعيين، بل كشركاء رئيسيين.

2. إنشاء سجل مهني وطني لتقييم أداء الشركات الاستشارية سواء محلية أو أجنبية بناءً على النتائج ومؤشر جودة الأداء، لا الشعارات.

3. إطلاق مبادرات حكومية لتأهيل ودعم شركات الاستشارات الوطنية، وتمكينها من التوسع خارج حدود المملكة أيضًا.

4. تبنّي الجهات الحكومية لمنهجية «المشاركة الاستشارية» بدلاً من «الاستعانة الكاملة»، بحيث تكون العقول المحلية حاضرة في كل قرار إستراتيجي.

وفي ذات السياق، هناك حاجة ماسة إلى تنظيم سوق الاستشارات وضبطه، عبر مراجعة بعض التراخيص الفردية التي تُمنح تحت مسميات تجارية أو مهنية مرنة، تتيح لأفراد غير مؤهلين القيام بأعمال استشارية مكافئة لما تؤديه الشركات المتخصصة.

هذه الممارسات، وإن بدت بسيطة، تُحدث تزاحماً غير عادل في السوق، وتضعف المنتج المهني المحلي، وتحرم الشركات الجادة من فرص عادلة للنمو. ولهذا، فإن من الضروري:

• وضع اشتراطات واضحة للفصل بين الخدمات الاستشارية الفردية والممارسات المؤسسية.

• التأكد من أن الترخيص المهني يراعي حجم وطبيعة المشروع المستهدف، فلا يُفتح المجال لأفراد لمعالجة ملفات تتطلب تكاملًا مؤسسيًا وفريق عمل متعدد التخصصات.

• إعادة النظر في نماذج التعاقد التي تعتمد على أفراد لتقديم خدمات معقدة، وتوجيه هذه الأعمال نحو الجهات المؤهلة ذات المسؤولية القانونية والرقابية الواضحة.

لقد تأخرنا كثيراً في إعادة الاعتبار للعقل المحلي، الذي لا تنقصه الخبرة ولا الأدوات، وإنما الفرصة والثقة. وإذا كان ما يُتداول اليوم عن تراجع الثقة ببعض الأسماء الأجنبية صحيحاً، فإن القيمة الأهم ليست في من تم استبعاده، بل في من يجب أن يُمنح الثقة مكانه.

الاستشارة ليست منتجاً مستورداً، بل هي وظيفة وطنية ذات أثر سيادي.

والمستشار المحلي، إذا أُعطي المساحة، أثبت وسيُثبت أنه أقدر على بناء الحل، وأصدق في تبني الأثر.

أخبار ذات صلة

 




المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى