تمسّك الإخوان بمكتسبات قرن من الزمان – أخبار السعودية – كورا نيو

من المتعذّر جداً وربما المُبكر، إن لم يكن من المستحيل، الحكمُ على ذهنية وآلية تفكير جماعة الإخوان ومن شاكلها من تنظيمات الإسلام السياسي، والتأكد من إيمانهم بالدولة الوطنية، وقابليتها الانخراط في منظومة العمل الوطني، والسبب في هذا التعذر أن نشأتهم وتاريخهم يحملان الكثير من الغموض والشكوك والريبة، ولعلّ الغرب بعدما رفع قبضته عن الدول التي كان يستعمرها، ترك مسمارين، أو وتدين في جدار وحدتها؛ مناطق حدودية إشكالية، قابلة للتنازع وإشعال فتيل صراع بين الجيران العرب متى ما أراد أن يشغلهم، وجماعات وأحزاب وتنظيمات ليزعزع بها الداخل، ويهدّد بها من الخارج.
ولو سألنا، مُصغياً للسؤال من جماعة الإخوان، وبقيّة تنظيمات الإسلام السياسي؛ هل أنتم مُسيّرون أم مُخيّرون؟ فما تكون إجاباتهم؟؛ مؤكد أنّهم لن يقولوا؛ لا هذه ولا تلك! فإن كانوا مسيّرين فلمَ لم يمكّنهُم مَنْ أسّسهم وسيّرهم ورعاهم وموّلهم منذ العام 1928م،؟ وإن كانوا مخيّرين؛ لماذا لم يَصْدُقوا مع أنفسهم، ويؤمّنوها بسياجٍ وطني، يعزز ثقة أوطانهم بهم؟ وإن قالوا إنهم ليسوا طُلّاب حكم، فلماذا أقاموا الدنيا ولم يقعدوها منذ إسقاط الشعب المصري حكمهم، وهدّه معبدهم على رؤوسهم؟ وإن قالوا إنهم طامحون للعرش الرئاسي فما هي الشرعيّة التي يستندون عليها؟ وما هي الحيثيات والمسوغات المُقْنِعة، كي يكسبوا قضيّة ليس لها سياق تاريخي، ولا قبول آنٍ؟.
ولعل جماعات الإسلام السياسي تغفل عن خلل وقعت فيه منذ التسمية؛ فهم جماعة، والأوطان مجتمعات، والمجتمعاتُ أطياف، والأطياف مشارب وأفكار وقناعات وعادات وتقاليد وموروث، وثقافات، ولن يحكمها بعدلٍ وإنصاف من يختزل الثقافة العربية بكافة أبعادها وطاقتها ويقدمها على أنها دِين، ثم يجعل من الدِّين؛ مانيفيستو ليتحكّمَ بالسرائر والظواهر والضمائر، وينعت أخلاق الشعوب، بجاهلية يجب اجتثاثها ومحاربتها وتقويمها بالسيف.
لجماعة الإخوان، مكتسبات أفنوا أعمارهم في سبيلها، وبعضها يمتد عمره إلى قرن من الزمان؛ منها التغلغل في حياة المسلمين، من المهد إلى اللحد، ومن الشارع إلى المصانع، ومن تفاصيل اليوم إلى غُرف النوم، واخترقوا مؤسسات التعليم والإعلام والدعوة والإرشاد، ومكّنتها الظروف والسُلطة حينها، ليغدو سُلطة موازية، تؤثر في القرارات، وتعطّل مشروعات، وتُدني وتُمكّن من تشاء، وتُقصي وتشوّه من شاءت، وغيري وأنا لا نتصوّر أنّها تتخلى (مسيّرةً أو مُخيّرة) ولا تكف يدها، وتعف لسانها، وتعود إلى رُشدِها لا إلى مُرشدها، في ظل توفّر بنيتها البشريّة التي بذرت فيهم هوساً بالوعد الحقّ، وإن كنت أرجو صلاح حالهم وعودتهم إلى الإيمان بالأوطان، وإن راودتهم بين حين وآخر أحلام اليقظة، وهذا عندي من باب حريّة التفكير، لا تحرر التدبير.
للإنسان السوي طموح العيش في ظل أسرة ومع مجتمع، وينتمي لدولة، كي يحقق ما يطمح إليه من تطلعات، وحقوق، ويفي بما عليه من التزامات وواجبات، فالأسرة تضمن الطمأنة الاجتماعية والنفسية والاقتصادية أحياناً، والدولة تكفل الأمن والاستقرار، وتضبط التصرفات، وتعزز الكرامة، وتحافظ على سلامة الناس بالقوانين، والمجتمعات، لا تطمح لأكثر من دولة تؤمّن لها حياتها ومعيشتها، فيما نقاء العقيدة، وسلامة التديّن، واستقامة السلوك، يتحقق في ظل دولة تزرع الحُبَّ، وتغرسُ المودّة، وترفض كل ما يعكّر صفو شعبها، أو يُخلّ بسلْمِهِ وإسلامه.
ولن تفلح جماعة، تحلم وتتطلّع أن تكون وصيّة على أفكار وقناعات، ودنيا وآخرة، فهذا هو الكهنوت الطارئ على الإسلام منذ العصور المُظلِمة، ومن غُرّر به، والتحق بركبهم، ونافح عنهم، دفع ثمن ذلك باهظاً، وهم يتفرجون على المشهد؛ من المصائف والمشاتي، منعمين في أحضان (الشيطان) الذين يلعنونه علناً ويوالونه سِرّاً؛ كونه يعينهم على مناوئة الأهل والأحباب، وليس من عاقل يودّ أن يقضي حياته مُشتتاً بين المنافي والمعتقلات بسبب فكرة لا شرعية لها من الأصل، بل هي من الضرر الذي يجلبه الإنسان على نفسه، واهماً بحُسن ظنه، أنه أهل للحُكم، خصوصاً أن صورة الخليفة التي رآها في المسلسلات تنطبق عليه! علماً بأن الحكم عبر تاريخه لم تكن أهليّته تتمثّل في التديّنِ فقط، والمرجع في الحاكميّة، المجتمع؛ الذي ارتضى من يحقق مصالحه، ويفكه من النشب.
وإذا كان من الطبيعي والمنطقي أن ينطلق السياسي من أجندة دنيوية خالصة، تدفعه إلى مراعاة توازن القوى، والاستفادة من كل الأوراق، دون حرق أي كرت منها، حاديه في ذلك ودافعه الأول، الحفاظ على كيانه من أي اختراقات أو زعزعة؛ فإن جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسهم الإخوان ينطلقون من أجندة دينية؛ بل عقديّة، وأيديولوجية يرون من خلالها وعداً بالتمكين في الأرض، ما يبرر لهم أن يلاعبوا السياسي، ولهم أجر على لعبهم (بحسب ظنهم الخطاء) فيهادنون ولا يتنازلون، ويعدون ولا يوفون، وربما لا يتخلون عن أحلام لطالما رأوها أقرب من حبل الوريد، ولا يمكن لأحد أن ينافسهم في المسلّمات واجتراح المصطلحات، فالهارب من القانون عندهم مهاجر، والسجين بحكم القضاء أسير، والميّت منهم شهيد، والخائن منهم مظلوم، والسارق بريء وهلّم جرّا.
** تلويحة؛ (وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗوَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات