ثلاجة سيوارد! – أخبار السعودية – كورا نيو

تعتبر ألاسكا الولاية رقم ٤٩ للولايات المتحدة الأمريكية وقد قامت بشرائها من الإمبراطورية الروسية العام 1867، ويعد شراؤها من أبرز الصفقات الأمريكية التي مكّنتها من التوسع الإقليمي في القارة الأمريكية، وقد كان مهندس الصفقة وزير الخارجية الأمريكي وقتئذٍ ويليام سيوارد الذي رأى فيها صفقة قوية تتيح للولايات المتحدة التمدد جغرافيًا، وقد قوبلت الصفقة حينها باستهجان بعض السياسيين الأمريكيين، حيث بدت ألاسكا وقتذاك للجميع أرضًا جليدية لا فائدة منها، وقد أطلق المعارضون للصفقة عليها اسم ثلاجة سيوارد لما تتمتع به هذه الولاية من مناخ بارد جدًا.
وبخلاف الأهمية السياسية والعسكرية والإستراتيجية التي عمد لتحقيقها سيوارد من شرائه لألاسكا وقتذاك، تبيّن لاحقًا احتواء تلك الولاية على كمية ضخمة للغاية من الموارد الطبيعية والتي جعلت الولاية تحتل مكانة اقتصادية مميزة بين بقية الولايات الأمريكية على الرغم من قلة عدد سكانها بشكل ملحوظ، وهو ما دفع بدوره بعض الروس للشعور بالندم على تفريطهم في تلك الثروة القومية وتسليمها للولايات المتحدة على هذا النحو.
لقد عادت ألاسكا للواجهة قبل أسابيع خلال انعقاد قمة الرئيسين ترمب وبوتين مما جعلها محط أنظار العالم أجمع الذي كان يترقب نتائج هذا الاجتماع وما قد سيتمخض عنه من قرارات قد تنهي الحرب الروسية الأوكرانية، وخلال استقبال الرئيس بوتين كانت الولايات المتحدة حريصة على إظهار قوتها العسكرية من خلال تحليق الطائرات الأمريكية الحربية والقاذفات في السماء، وذلك على مرأى ومسمع من الرئيس بوتين.
لا شك أنه خلال انعقاد القمة الأمريكية الروسية الأخيرة تصوّر البعض أنها سوف تخرج بنتائج إيجابية ملموسة وسوف تسفر عن اتفاق ناجح ينهي الحرب الروسية الأوكرانية التي تقترب من إكمال عامها الرابع العام، وقد ترقب العالم خلال فترة القمة ما ستسفر عنه النتائج ولاسيما وأن تلك الأزمة ألقت بظلالها على العالم كله وعلى أوروبا بالتحديد، وذلك بخلاف التساقط اليومي للضحايا من الجانبين، وتدمير البنية التحتية في كلتا الدولتين.
يبدو أن تلك القمة لم تكن لتهدف للتوصل بالفعل لحل الأزمة الروسية الأوكرانية، بل إنها انعقدت بهدف تأكيد الهيمنة الأمريكية على جميع مجريات الأمور حول العالم فحسب، فاختيار انعقاد القمة في ولاية ألاسكا تحديدًا كان أحد المؤشرات بالغة الوضوح على الرغبة الأمريكية بتذكير العالم (وروسيا) بالنجاح الأمريكي في السيطرة على واحدة من أهم الولايات الأمريكية وأكثرها ثراءً وامتلاكًا للموارد الطبيعية.
من المؤكد أن روسيا -قبل اندلاع الحرب- لم تكن تعتقد أن حملتها العسكرية ستستغرق أعوامًا خاصة مع اختلاف ميزان القوة العسكرية بين كلا الدولتين، لكن دعم العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة لأوكرانيا هو ما جعل الحرب تستغرق أعوامًا دون أن تحقق روسيا ما كانت تصبو له، ففي الوقت الذي تصر فيه روسيا على أنها تنجح بالفعل في انتزاع الكثير من الأراضي الأوكرانية المتنازع عليها بينها وبين أوكرانيا وتضمها لها، توسع أوكرانيا حربها ضد روسيا وتتوغل في العمق الروسي، ويومًا بعد يوم نجدها تعلن قصفها لأهداف روسية حسّاسة وتعلن انتصارها على الروس.
إن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية أثّر بالسلب تمامًا على الاقتصاد العالمي وخاصة على مصادر النفط والغاز العالمية، ويبدو أن حزم العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا لم تؤدِ الغرض منها كما هو متوقع مما زاد من أمد الأزمة، والتي شهدت تحولات جذرية عديدة بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فمن تأييد مطلق من إدارة بايدن السابقة، لموقف مهتز متغير من إدارة الرئيس الأمريكي ترمب.
من الواضح أن الإدارة الأمريكية لا يهمها ما يجري في العالم من أحداث مؤسفة، ولعل هذا النهج الأمريكي المتخبط في التعامل مع الملفات العالمية الساخنة هو السبب الأساسي في استمرار تلك الصراعات على هذا النحو، فمن قمة لقمة ومن مفاوضات لمفاوضات يتسع نطاق الحروب ويزداد أوارها أكثر فأكثر بدلاً من أن يتم احتواؤها أو تقليل مداها ونتائجها، وهو ما يؤكد لنا أن الكل يبحث عن مصالحه ومصالح شعبه وبلده فحسب دون الاكتراث بمصالح الدول الأخرى.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات