حادثة جثمان الرس تُعيد إلى الأذهان خطأ تسليم الجثمان في بريدة عام 2008 وأملج عام 2017 – أخبار السعودية – كورا نيو

وقف الأب أمام الجثمان المسجّى بثوب الوداع، يظنّ أنه يحتضن النهاية، فإذا بالخطأ يفتح فصلا جديدا من الفقد. مدّ يده مودّعا ملامح يعتقد أنها لابنته، قبل أن يكتشف أنّ الجسد الذي حمله بعاطفة الأب، يخصّ شابا غريبا، وأن الحزن الذي عاشه كان لغير من رحلت فعلا. تلك اللحظة لم تهزّه وحده، بل كشفت خللا إداريا فادحا في مستشفى الرس، تجاوز حدود الخطأ الطبي إلى خطأ إنساني يهزّ الضمير قبل النظام.
في مكان ما من ممرات مستشفى الرس، كانت الأوراق تتداول بين الأيدي ببرود إداري لا يشبه حرارة الموت، توقيع هنا، ختم هناك، وجثمان يُسلّم باسم غير اسمه، لا أحد يدري في أي لحظة ضاعت الدقة، ولا من الذي أغمض عينيه عن التفاصيل التي تُصان بها كرامة الإنسان بعد الرحيل.
الواقعة كانت أشبه بمرآة كُسرت أمام الجميع، فظهرت في شظاياها صورة منظومة تحتاج إلى مراجعة ضمير أكثر مما تحتاج إلى مراجعة إجراء.
وحين وصلت القصة إلى مسامع أمير القصيم، تحدث الموقف قبل أن تتكلم البيانات.
توجيه عاجل بالتحقيق
أصدر الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز توجيها عاجلا بتشكيل لجنة تحقق، وكأنه يرسم بخط اليد خارطة جديدة للمسؤولية، تبدأ من الحقيقة وتنتهي عند المحاسبة. كان صوته الإداري مشبعا بإنسانية لا تتساهل، وبصرامة لا تؤذي. أراد أن يقول إن الأخطاء حين تمسّ الجسد الميت، فإنها تمسّ وجدان الأحياء.
وفي ذاكرة القصيم، لا تبدو هذه القصة يتيمة؛ فقبل 17 عاما، في مستشفى بريدة المركزي، حدثت فاجعة مشابهة، حين استُبدل جثمان متوفاة بآخر. ثم في أملج عام 2017، تكررت المأساة ذاتها بصورة أخرى. كأن القدر يعيد المشهد كل عقدٍ ليذكّر بأن التقنية مهما تطورت، فالقلب هو جهاز المطابقة الأصدق.
هذه الأخطاء علامات استفهام مكتوبة بدمع الآباء وأوجاع الأمهات، تسأل: كيف نُخطئ في الوداع؟ كيف نمنح الحزن عنوانا خاطئا؟
هنا لا ينفع العذر، فالموت لا يُراجع، والكرامة لا تُرمّم بعد الفقد.
ولأن الحوادث تتكرر، جاء توجيه أمير القصيم كصوت يوقظ النائم في ضمير الإدارة، ليقول إن المحاسبة إنصاف للعدالة الغائبة بين اسم واسم، وجثمان وجثمان.
هنا لا تنتهي الحكاية بخطأ في مستشفى، بل بفاجعة تمسّ معنى الوداع نفسه؛ فحين يُسلَّم جسد إنسان لغير أهله، يهتزّ ميزان الرحمة قبل القانون.
كرامة الإنسان تُكتب مرتين: مرة حين يحيا بعزّة، ومرة حين يُعاد إلى التراب الذي يعرفه حقا.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات