حين تتعرى العاطفة..! – كورا نيو

كلما أخفقتُ في الحب… قلتُ هذا هو الحب.جمله قالها محمود درويش موضحاً أن العلاقة بين الإنسان والحب ليست علاقة انتصار، بل علاقة جرح وتجربة.فالفشل في العلاقة لا ينفي جوهر الحب، بل يكشفه؛ لأن الحقيقة العاطفية لا تتضح في النجاح، بل في الانكسار، فهي عاطفة معقدة تتجسّد في أشكال متعددة، تسخن وتبرد، تأتي وتذهب، إنه كذبتنا الصادقة، هو ليس فكرة، بل هو شيء له خمس حواس وأكثر. الحب مثل الريح، لا يمكنك رؤيته، لكن يمكنك الشعور به.يربط درويش الحب بالصراع والمعاناة، حيث يقول أدرّب قلبي على الحب كي يسع الورد والشوك، وأن الحب قد يكون ضائعاً أو غائباً،فالحب يعرّي الإنسان ويضعه أمام ضعفه، وهنا يبدأ الفهم الحقيقي للحب.تتبدّى هذه الجملة الدرويشية كنافذة تُطلّ على الوجه السري للعاطفة، الوجه الذي لا يظهر إلا لمن عبروا الممرّات الضيقة للخذلان.يتعامل درويش مع الفشل لا بوصفه نهاية، بل بوصفه مرآة تكشف أعماق التجربة؛ فالعشق في منظوره لا يكتمل إلا بعد أن يُكسر، مثل إناء يرى الإنسان شكله الحقيقي من خلال شرخه.يتقدّم الحب في الوجدان الإنساني كقوة تُعيد ترتيب الداخل.النجاح يمنحه نشوة عابرة، أما الإخفاق فيمنح الوعي، والحب الذي يترك ندبة هو الحب الذي يترك معنى. إذ يصبح الانكسار لحظة يتعرّف فيها الإنسان إلى هشاشته، ويكتشف أنه لم يكن يبحث عن الآخر فقط، بل عن نفسه التي تتخفّى بين طبقات الشوق والخوف والرغبة في البقاء.درويش لا يمجّد الألم، بل يكشف وظيفته. فالفشل عنده عبور إلى معرفة أن الحب ليس وعداً بالخلاص، بل مواجهة.لا أحد يخرج من تجربته العاطفية كما دخل إليها، فهي تُغيّره، تُعيد صياغته، تفتح منطقة داخل الروح لم يكن يدري أنها موجودة.هنا يكتسب الإخفاق معناه، لا باعتباره سقوطاً، بل باعتباره بداية وعي جديد.ويمضي النص الدرويشي مثل درس من دروس الحياة الكبرى.الإخفاق لا يطرد الحب خارج القلب، بل يخلّصه من أوهامه.يكشف له حجمه الحقيقي، ويمنحه القدرة على التمييز بين التعلق والرغبة، وبين الحاجة والامتلاء، بين الوهم وما يستحق أن يُحمل في الداخلهنا يتحوّل الحب إلى مدرسة تُعلّم الإنسان أن جمال العاطفة لا يُقاس بما نكسبه، بل بما نتغيّره.كل انكسار يفتح باباً جديداً للفهم، وكل خيبة تمنح عيناً أكثر صفاء وقدرة على قراءة العالم بلا زخارف ولا عتمات.درويش يفتح أفقاً واسعاً لفلسفة العاطفة..الحب ليس ملحمة منتصر، بل رحلة باحث. وكلما اشتدّ الانكسار، ازداد وضوح الطريق، واتسعت المسافة التي يتعرّى فيها القلب من توقعاته، ليلبس ثوباً من نور التجربة نفسها، لا من نتائجها.ليس الحب ما نظن أننا نكسبه، بل ما نتعلمه عن أنفسنا بعد أن نخسر.
المصدر : وكالات



