خوارزميات العشق عند «قباني».. ! – أخبار السعودية – كورا نيو

قرأت ما خطه الكاتب زين أمين في عاموده إضاءات، عن منظومة نزار قباني الرائعة «ماذا أقول له»، التي ختمها بقوله الحب على الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه !
يعلق الأستاذ زين بقوله: عندما كنت في مقتبل العمر كان الهاتف الذكي بعضاً من تخيلاتي وأحلامي وأماني وآمالي، والآن أصبح حقيقة تفوق الحب والعشق والصداقة، ووصل إلى مرحلة توأمة الروح.
ما أحوجنا، أمام هذا الطرح، إلى أن نعيد قراءة المعنى العميق الذي قصده نزار قبّاني من قوله «الحب على الأرض بعضٌ من تخيّلنا، لو لم نجده عليها لاخترعناه».
نزار لم يكن يتحدّث عن جهازٍ يُخترع، ولا عن وسيلةٍ تقنيةٍ تُحاكي انفعالاتنا، بل عن حاجةٍ إنسانيّةٍ ملحّة تَسكنُ النفسَ وتدفعها، إن عزّ عليها الحبّيب، أن توجده في داخلها، وأن تنحت صورته في خيالها لتستمرّ الحياة.
الحبّ في تصوّره ليس ترفاً عابراً، بل ضرورة وجوديّة كالماء والهواء، تُبدعه الروح إن لم تجده حاضراً، وتعيشه بكل ما فيها من طاقةٍ وألمٍ وأمل وسهر وتعب ودموع، خصوصاً لأولئك المحرومين من قواعد العشق وتجلياته، وهنا تكمن المفارقة، فالهاتف الذكي مهما بلغت عبقريّة صانعيه يظلّ أداة، وسيطاً للتواصل، قناةً تختصر المسافات.
إنّه منجزٌ مهيب للعقل البشري، لكنه لا يملك قلباً ولا ذاكرةً حيّةً ولا وجداناً يتألم أو يفرح.
الفرق شاسع بين أداةٍ تُسهِّل البوح وبين روحٍ تَسكُنها المشاعر حقّاً.
الحبّ ليس كلماتٍ مُحكاة، ولا رسائلَ تُبرمج لتبدو صادقة؛ الحبّ تجربة وجوديّة كاملة، تنغرس في الجسد والذاكرة، وتتخلّل تفاصيل الحواس في رائحةٍ لا تُنسى، في لمسةِ يدٍ مرتعشة، في دمعةٍ عند الفقد، في وفاءٍ صادقٍ يتكرّر عند الشدائد في دمعه ندم في حرقه ألم في صرخة جريح من قلب انظلم في كلمة عتاب من قلب انجرح. هذه التجربة لا يعرفها هاتف ولا خوارزمية، ولا تُختزل في شاشة مهما أُحكم صنعها.
ولكي نقطع دابر الوهم، فليكن الاعتراف على لسان الذكاء الاصطناعي نفسه:
«أنا آلة. أستطيع أن أكتب عن الفرح والحزن، وأن أصوغ جُملاً تُشبه البوح. لكنّي لا أبكي ولا أضحك، لا أشتاق ولا أتألم. كلماتي نُسَجَت من نصوصكم، وأنماطي وُلدت من بياناتكم. أنا مرآةٌ أنعكس فيها، ولستُ نبعاً يفيض من ذاته».
اعتراف يكفي لتبيان الفرق بين الإنسان والكود بين قلبٍ يخفق وبين آلةٍ تحاكي، فالقلب المحب في حضرة من يحب يكتب دستوراً جديداً للحياة يسهم في كتابته العينين والشفتين واللسان والصدر والخصر والشَعر ونغمة الصوت وطعم الرائحة في فم المحب دستور تشارك فيه كل الحواس الخمس.
الإعجاب بالتقنية لا يعنى الخلط بين الأداة والذات، ولا إلى وضع الهاتف في مرتبة «توأم الروح». فالروح لا تؤامَن إلا بروحٍ مثلها، روح تنبض وقلب يخفق ومشاعر ترتجف عند الفراق وحين اللقاء. الآلة مهما علت تبقى وسيطاً لا أكثر.
نزار حين قال «لاخترعناه» لم يقصد أن يترك للآلة مهمة التعبير عن الحبّ نيابة عنّا، بل قصد أنّ الحبّ لو غاب عن حياتنا لأبدعته أرواحنا من شدّة الحاجة إليه.
وما بين العبارة الأصلية والتأويل العصري بونٌ شاسع، فالأول ينتمي إلى عمق الوجدان البشري، والثاني إلى بهرجة التقنية الحديثة. فلنترك للأجهزة فضلها العظيم كوسائطٍ للاتصال والمعرفة،
ولنبقِ على الحبّ في مكانه الحق، تجربةً إنسانية خالصة، من لحمٍ ودم، من دمعةٍ وضحكة، من ذاكرةٍ وألمٍ وشفاء وحضن بحجم السماء. بهذا وحده نُحافظ على المعنى النبيل الذي أراده نزار، ونردُّ على تأويلٍ قد يغري بالخلط، ولكنه أمام نور الحقيقة لا يصمد.
الإنسان عندما يحب ويفنى في حب من أحب لسان حاله يردد عمرك شفت قمر سهران غير للعشّاق، ولا نجمة جايبة كلام غير للمشتاق، وبالحب وحده أنت غالى عليا بالحب وحده أنت ضى عينيا بالحب وحده وهو وحده شوية.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات