أخبار العالم

دور سعودي يعزز الاستقرار في اليمن.. – أخبار السعودية – كورا نيو


تابع قناة عكاظ على الواتساب

على مدى عقود، كان اليمن عرضة لموجات الأيديولوجيا العاتية التي عبرت حدوده من الشرق والغرب، محوّلة بلداً ضارباً في عمق الحضارة إلى ساحة صراع تتقاطع فيها المشاريع الخارجية وأحلام اليمنيين المنكسرة. وأمام هذه الدورات المتلاحقة من الاستقطاب الأيديولوجي فقد اليمن الكثير من عوامل استقراره وتم تبديد طاقاته البشرية، ليتحوّل من بلد كان ينظر إليه كركن مكين من أركان الجزيرة العربية إلى بيئة طاردة لأبنائها، مثقلة بالفقر والصراعات السياسية، ومصدراً دائماً لقلق جيرانه الذين ظلوا رغم ذلك الأقرب إليه والأكثر حرصاً على مستقبله وعدم انهياره.

منذ خمسينيات القرن الماضي، شهد اليمن تدفقاً مضطرداً لأفكار متشددة من كل شكل ولون قومية ويسارية ودينية، كل منها حاول أن يفرض رؤيته على مجتمع قبلي محافظ، لم يكن مهيأً لاستقبال نماذج سياسية متصارعة جذبت معها ولاءات عابرة للحدود. ومع مرور الوقت، أصبح الصراع اليمني الداخلي أكثر ارتباطاً بالأجندات الأيديولوجية المستوردة، وأشد افتقاراً لمشروع وطني يعلي مصلحة اليمنيين فوق غيرها.

في العام 2014 ومن خلال سيطرة ميليشيا الحوثي على صنعاء وانقلابها على الدولة، بات واضحاً أن الأزمة اليمنية الكلاسيكية تجاوزت حدود الخلافات الداخلية، لتتحوّل إلى مواجهة واسعة ذات امتدادات إقليمية واضحة ساهمت في تعميق مأساة اليمنيين. فوفق إحصاءات للأمم المتحدة، أدّى الانقلاب وما ترتب عليه من أعمال عسكرية تسببت بها الميليشيا الحوثية إلى نزوح أكثر من 4.5 مليون يمني داخلياً، ودخول ما يزيد على 21 مليون يمني في دائرة الحاجة الماسة إلى المساعدات الإنسانية، وهي أرقام تعكس حجم الانهيار الذي أصاب دولة كانت هشة قبل الحرب، ثم أصبحت بعد عشر سنوات منها، واحدة من أفقر بلدان العالم وأكثرها اضطراباً.

المؤشرات التنموية لليمن قبل الحرب لم تكن في أحسن حال رغم الاستقرار النسبي؛ فوفقاً لتقارير البنك الدولي كانت اليمن تعاني من أحد أعلى معدلات الفقر في الشرق الأوسط، ومع تراجع المؤسسات الحكومية وتوقف الخدمات الأساسية في أعقاب الانقلاب الحوثي، أصبح أكثر من 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، بينما يواجه 18 مليون يمني مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي وفق تقرير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي لعام 2024.

هذه الأرقام المحبطة تتجاوز كثيراً دلالاتها الاقتصادية، فهي تشير بوضوح إلى أن غياب «المشروع الوطني اليمني» وارتباط بعض القوى المحلية بأيديولوجيات خارجية ساهم في الإطاحة بفرصة اليمنيين في بناء دولتهم المستقرة والآمنة التي تتكامل مع محيطها المزدهر. فكلما اشتد الصراع بين المشاريع الأيديولوجية المستوردة، تراجعت الفرص في بناء مؤسسات وطنية قادرة على إدارة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وكلما غاب التوافق الداخلي وازدهرت بيئة الصراع، ازدادت البلاد هشاشة أمام تأثيرات الانقلاب الحوثي وآثاره المستمرة والمتفاقمة.

ليس جديداً القول إن المملكة العربية السعودية كانت وما تزال أكثر الدول ارتباطاً بمصير اليمن، ليس فقط بحكم التاريخ المشترك والجغرافيا الممتدة على طول 1300 كيلومتر من الحدود، ولكن أيضاً بحكم الكثير من الاعتبارات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تجعل استقرار اليمن ضرورة إستراتيجية ملحة للسعودية والمنطقة عموماً.

وبمراجعة تاريخية سريعة يظهر بما لا يدع مجالا للشك أن السعودية لعبت في كل مراحل النزاع اليمني دوراً محورياً أساسياً في احتواء الأزمات والحيلولة دون الانهيار. فمنذ ستينيات القرن الماضي، مروراً باتفاقات الوحدة والإصلاحات السياسية، ووصولاً إلى مبادرة مجلس التعاون الخليجي عام 2011، كانت المملكة عامل توازن يطفئ الحرائق ويمنع انزلاق البلاد إلى فوضى شاملة، كانت تلوح في أفق كل خلاف بين فرقاء السياسة اليمنية.

الدور السعودي الإيجابي برز مجدّداً في أعقاب انقلاب الميليشيا الحوثية وسيطرتهم على الدولة في 2014، إذ قادت المملكة التحالف العربي لمنع سقوط اليمن الكامل في قبضة جماعة مسلحة مدعومة من إيران، ودعمت الحكومة الشرعية عسكريا وسياسيا واقتصاديا وإنسانيا وهو الدعم أسهم بشكل مباشر في إبقاء مؤسسات الدولة حية، في وقت كان الانهيار يطرق كل باب في اليمن.

ولم يقتصر الدعم السعودي على جانب رفد خزينة البنك المركزي اليمني فقط أو إعادة إعمار المؤسسات والمرافق الخدمية في المحافظات المحررة، بل ترافق ذلك مع مسار فاعل ونشط وغير منقطع في مجال المساعدات الإنسانية التي جعلت المملكة أكبر مانح منفرد لليمن خلال فترة الحرب، بما يتجاوز 18 مليار دولار منذ عام 2015، بحسب مركز الملك سلمان للإغاثة. كما كان للوساطات السعودية بين الأطراف المنضوية تحت مظلة الشرعية دوراً حاسماً في خفض التصعيد، بالتوازي مع قيام المملكة بدور فاعل لإحلال السلام في اليمن ووضع نهاية لحالة الحرب على قاعدة المرجعيات الثلاث.

على الرغم من هذا الدور الكبير، لايزال بعض المناسقين خلف الشعارات الأيديولوجية أو المشاريع الضيقة يحملون دول الجوار، وفي مقدمتها السعودية، مسؤوليات الفشل الداخلي الذي تراكم عبر عقود. هذه الخطابات، التي يغذيها على الأرجح الأنانية وغياب الوعي السياسي والانخراط في محاور خارجية، تغفل حقيقة أساسية هي أن جذور المشكلة يمنية قبل كل شيء، وأن أي حل مستدام لا يمكن أن يأتي إلا من الداخل، عبر توافق وطني حقيقي يضع حدا لدورات الاستقطاب السياسي، والجهوي، والحزبي، والأيديولوجي.

ولعل ما يميّز موقف الرياض هو صبرها الإستراتيجي وتعاملها الحكيم مع هذا الإسفاف بقدر كبير من المسؤولية والتجاوز واضعة نصب عينيها مصلحة الشعب اليمني في نهاية المطاف بغض النظر عن سوء بعض نخبه. فبينما كان البعض يهرب من مسؤولياته الداخلية، كانت السعودية تعمل على حماية اليمن من الانهيار الكامل، وتعزيز الجهود الدولية لإطلاق مسار سياسي شامل يضمن الأمن لليمنيين والأمان للمنطقة.

وفي ظل هذه التعقيدات التي نراها تعصف اليوم بالمشهد اليمني، يقف اليمن أمام مفترق طرق. فإما أن يستمر البلد أسيراً للأيديولوجيات والأنانية السياسية، أو يقرر بنفسه أن يكتب مشروعه الوطني الذي لا يمكن أن ينجح دون توافق سياسي حقيقي يضع مصلحة اليمنيين فوق كل اعتبار ويعمل على إعادة بناء المؤسسات على أسس مهنية وقبل كل ذلك مراجعة التجارب الأيديولوجية السابقة التي أدخلت اليمن في دوامات متلاحقة من الصراع والأوهام، التي لم ولن تقدّم حلولاً حقيقية وناجعة لمشاكل الفقر والتنمية والهوية الوطنية.


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى