ذاكر النشبه نثر القسبه – أخبار السعودية – كورا نيو

ما كان ودّ العريفة يرافقهم (ذاكر النشبه)؛ وطلب من الفقيه يفكهم من منخّش خشمه، فقال الفقيه؛ خلّه يا كبيرنا يجي معنا، حمارته تشيل كساويك، وهو يشيلنا، بالسواليف اللي ما ينقطع حبلها، ومشوارنا طويل، والناس مشاغيل، يمكن نزلّ من قُرى ما يلمح فينا أهلها، فعلّق العريفة؛ سواليفه أكثرها كُذاب؛ وسدّه ماش ماهب عميق، يصرصر هروجنا ويغدي يُنكتها عند الشيخ، والشيخ سمنته تطشطش، وقبسه واريه؛ واخاف يفضحنا، فحلف الفقيه؛ ما يجيك إلا ما يجي هذي الرقبة، وضرب بكفه اليمين على صفحتها اليسار.
مرّوا ببيت (ذاكر) في طريقهم إلى الشامية، ولما اقتربوا استوقفهم صوت مبحوح يندب الحظّ العاثر؛ تيقنوا أن زوجته كالعادة تحنم عليه؛ لمحوه قاعد يرقع حلس الحمارة سدّة الباب؛ وطرف الدبارة في ثمّه، وإبرة الخياطة بين إبهامه وسبّابته، كلما حاول يدخل طرف الخيط في عين الإبرة ينكب. استنجد بها، فلم تردّ عليه!، شاور الفقيه العريفة؛ نعدّي والا نخليه في كبّته؟ فتقدم العريفة، ونادى (يا عذق كادي نابتٍ في دلع ما) عرفت صوته اللي ما تنكره؛ فاستقامت، وتناولت شرشفها من فوق الحمّالة، ولفّته على رأسها، وردّت طرفه على فمها، ورحّبت باللافي، فقال العريفة؛ معي رفيق الفقيه؛ علّقت؛ فقيه عندك، وإذا دخل على (مرضيّه) تنسلت الفقاهة مع كراعينه، فالتفت له العريفة؛ وقال؛ ذقها.
رشّقتْ الدلّة على الطباخة، وقرص مجرفة على جمر حيّ من الليلة الماضية تحت رماد الملّة، ودخلت العُليّة؛ غيّرت كُرْتتها، وفرقت شعرها، واخترجت من حُقّ فضي؛ نقس لبان، خبأته تحت لسانها حتى يميع وتفوح نكهته إذا تهرّجت، ورشّت على صدرها من قارورة عطر (قلب شاديه) وخرجت عليهم بصحن تمر بيشي كما الجواهر، وغضارة سمن بقر جامد، وقرّبت دلتها وقرصها على سفرة خصف بقُرب مقعاد العريفة، وصبّت فنجال واحد، ومدّت به؛ فردّ بنبرة ممتنّة؛ سلمت الكفوف، اللي تدوّخ الصفوف، وتشبع الشفوف، وما تلام نقر الدفوف، فتبسّمت؛ ومدّت الدلّة للفقيه؛ وقالت بلهجة آمرة؛ اصطب لك، وصب لابو حلوس؛ ولا تدنعون في عريفتكم، إذا تفاول وبقي شيء كلوه كِلْكُم السِّرف.
قسم العريفة القرص أربعة أقسام؛ ناول الفقيه، وذاكر، نصيبهما، وأخذ قسمه، وبقّى الربع في المجرفة؛ وغمس بطرف نصيبه الجادح في الطاسة فذاب السمن؛ وأدخله بين شفتيه؛ فشرشر على دقنه؛ المائلة للبياض، فناولته طرف شرشفها ليمسحه؛ فتبسّم بسمة الرضا، ورفض يأخذه محركاً يده يمنة ويسرة، ثم شرع؛ أعلامنا خير والصلاة على النبي، لي لزوم عند صديق في الشامية، تعارفنا أيام جاودنا في مكة عند الطندباوي، ومن الله ومن هاذي الساعة؛ قلنا؛ نسلّم ونعلّم، وودّنا بذاكر وحمارته؛ بنحمّل عليها كيس حبّ، وكيس لوز، وعكّة سمن؛ وجبّة بيدية؛ نبدي بها على رفيقنا قدّام جماعته، وما لنا غناة عنك وعن ذاكر والحمارة، وسلامة السامع وملائكة الرحمن على الله، قال؛ (ذاكر)؛ والله ما يردّ عليك؛ إلا عِذق الكادي؛ فانفرطوا يضحكون؛ قالت؛ يا مرحبا حي العِلم وراعيه، والله يجعل الحمار وراعيته ومخيّط حلوسه، والفقيه فداك، علمي وسلامتك، فران الصمت على المكان، وبقدرة قادر نطت اللبانة وما وقّعت إلا في جيب العريفة.
قطعوا الطريق إلى قرية صغيرة تقع على قمة جبل نائي، ودموعهم ما كفّت من الضحك، العريفة والفقيه؛ يضحكون على ذاكر، اللي اختذلته مرته، ولا يجرى يرفع عينه فيها، وذاكر والفقيه؛ يضحكون على العريفة، ردّت على عِلّامته حُرمة، وصبّت له الفنجال، وأسقطت في جيبه لبانه يلحس ريقتها؛ وكلما مرّوا بوادي مثمر اخترفوا منه؛ وحشوا للعريفة غليونه وولعوه، ويبدع لهم محراف (أعلّق الداب في كُلّاب وانكس برأسه، واقطّر السّم من ضرسه ومن تحت نابه) وكلما كمّل محراف لمح الفقيه في ذاكر، فيردّ عليه؛ وشبك تتمقل فيّه دوبك تعرفني؛ وميّس يغفي العريفة تحت ظلّ مشمشة مخصّلة، فنشده؛ ما كنّ بين مرتك وبين العريفة ميانة زايدة؟ ردّ عليه؛ تخسى يا (بهم السواحل)؛ العريفة تراه أخوها من الرضاع، علّق الفقيه؛ ايوه نسيت سامحني؛ صادق، صااادق، وأمي الله يرحمها شاهدة على رضاعهم، ردّ ذاكر؛ الله لا يرحمك ولا يرحمها يا منعثل الروايا.
وصلوا لمقصدهم، ورحّب الرجال اللي ضافوه، وعشاهم على كثيرة الشحم، وسمروا على هروج ملحها فيها، وقصايد، وجت حزّة النوم، وطلب الفقيه من رفيقه يفرش له فوق البيت؛ يتبرّد ويأخذ راحته في نومه؛ قال الفقيه؛ أحسن لك فوق يا عريفة خلّك تتبحبح، فخزره بعين يتطاير منها الشرر، وبعدما فرش لهم صاحب الدار، سرى الفقيه؛ يتنشد ذاكر؛ منين لمرتك تمر بيشي، وحنطة بدادا، وهي لا تسرح وادي، ولا تفزع لمنادي، وما غير تطق اصبع جنب الرادي؟ فأجابه؛ البركة في صاحبك اللي ما يدعيها إلا «عذق الكادي» والعريفة مدلدل رأسه من فوق البيت، يتسمّع وش يقولون! فقال؛ لا تتنخشني وتخليني أنثر القسبه من الخصفه؛ قدومتي مثلّمة ما تنجر الغَرَبة، دنّق العريفة برأسه أكثر، وهو متلزم في حجر ملشلش فانفلت به، ورضخ بثقله قدام طاقة المجلس؛ سمعوا الهبدة؛ فقال الفقيه؛ عسى ما خلاف يا كبيرنا؟، فنهض بتثاقل؛ يهلّل ويكبّر ويخفي زفيره من وجع الرضّه؛ خشية الشماتة مردّداً؛ الصلاة، يا عباد الله.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات