أخبار العالم

«رهينة السلاح».. لبنان يدور في حلقة مفرغة – أخبار السعودية – كورا نيو



في ثلاث زيارات متعاقبة إلى بيروت، سعى المبعوث الأمريكي توم براك إلى إحداث خرق في جدار الأزمة اللبنانية المتشابكة، حاملاً رسائل واضحة حول حدود التسوية الممكنة ومكامن الاستعصاء الحقيقي.

لكن ما عاد به الرجل هذه المرة، لا يختلف عن المرتين السابقتين: لبنان ما زال يردد العبارات نفسها، ويتمسّك بالشروط ذاتها، ويبحث في العناوين من دون الدخول إلى عمق المعضلة.

هكذا، انتهت الجولة الثالثة لتوم براك من دون اختراق، لكنها لم تكن عبثية. فالرجل الآتي من موقع دقيق في إدارة ملف ترسيم الحدود وتثبيت التفاهمات السياسية والأمنية في المنطقة، لم يأتِ ليستمع فقط، بل ليُبلغ. وما سمعه في بيروت من مواقف لبنانية مكررة، قابله بإيصال رسائل مباشرة: الوقت ينفد، ومساحة المناورة تضيق.

حزب الله قال كلمته: لا تسليم للسلاح

بعيداً من المجاملات الدبلوماسية، بات الموقف الرافض لأي نقاش حول سلاح حزب الله علنياً وواضحاً، لا يحتاج إلى تسريبات أو تفسيرات. فقد كرّست مواقف مسؤولي الحزب في الآونة الأخيرة، وعبر منابر إعلامية وسياسية متعددة، معادلة ثابتة: لا تسليم للسلاح، لا في إطار تسوية داخلية ولا تحت أي ضغط خارجي.

هذا الموقف، الذي يخرج إلى العلن تباعاً، لم يمرّ من دون أن يلتقطه الموفد الأمريكي توم براك، الذي بدا كمن يدرك أن الرهان على تنازلات من داخل المنظومة الحاكمة في لبنان، لن يقود إلى اختراق حقيقي طالما أن «الملف الجوهري» مغلق بإحكام. وهنا يُطرح سؤال لا يمكن تجاهله: كيف يمكن الحديث عن تسوية، طالما أن سلاح الحزب خارج أي إطار تفاوضي أو رقابي؟ وهل من سبيل لحل فعلي في ظل هذه المعادلة المغلقة؟ووفق ما تسرب من اللقاءات، فإن براك سمع من الرؤساء الثلاثة، وتحديداً من نبيه بري موقفاً ثابتاً مفاده أن لبنان لا يزال ملتزماً بمطالبة إسرائيل بالانسحاب الكامل من أراضيه، وخصوصاً مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، قبل الحديث عن أي ترتيبات أمنية أو التزامات مقابلة.

فهل استمرار التمسك بهذا الموقف «خطوة مقابل خطوة» يعزز فرص التفاوض؟ أم أنه يعمّق دائرة الجمود؟ وهل لبنان مستعد لدفع ثمن هذه الإستراتيجية في المستقبل القريب؟

الدوران حول الذات.. والمواعيد تمضي

المفارقة أن لبنان، وهو يكرر على مسامع زواره نفس العبارات الدبلوماسية التي دأب على تردادها منذ سنوات، يبدو كمن دخل دوامة مفرغة لا يستطيع الخروج منها، لكنه أيضاً لا يجرؤ على كسرها.

ففي الوقت الذي تطالب فيه واشنطن بإجراءات ملموسة تعكس «جدية لبنان» في الالتزام بمخرجات القرار 1701، لا يزال الموقف الرسمي يتراوح بين التمسك بالخطاب السيادي من جهة، والامتناع عن أي خطوات عملية من جهة ثانية، خشية الاصطدام بحزب الله أو قلب المعادلات الهشّة التي كشفتها مواقف المسؤولين اللبنانيين.

براك يترك خلفه مؤشرات.. الضغط إلى تصاعد

قد تكون كلمات براك العلنية مقتضبة، لكنها، كما هي العادة في الزيارات الأمريكية، تخفي أكثر مما تعلن. فالموفد الأمريكي، وفق تسريبات صحفية متقاطعة، أبلغ عدداً من المسؤولين اللبنانيين أن بلاده تراقب عن كثب الأداء الرسمي اللبناني في التعامل مع مسألة السلاح غير الشرعي، وستبني على هذا الأداء في تحديد مدى استعدادها للمضي قدماً في أي تسوية.

الأهم من ذلك، أن براك لوح بشكل غير مباشر بإمكانية إعادة النظر في مستوى الدعم الأمريكي للبنان، إن استمر الجمود، لا سيما في ملف ترسيم الحدود، وضبط الجبهة الجنوبية.

النافذة تضيق وكل الاحتمالات واردة

انتهت زيارة براك من دون إعلان عن أي مبادرة أو خريطة طريق جديدة. لكن اللافت أن واشنطن لم تُعد الكرة إلى ملعب بيروت هذه المرة من باب التفاوض، بل من باب «إثبات الجدية». وعليه فإن المرحلة القادمة مفتوحة على سيناريوهين:

الأول: استمرار الجمود اللبناني في ظل تمسك القوى الحاكمة بخطاب مزدوج: سيادي في العلن، ومراوغ في العمق، ما قد يسرّع اتخاذ مواقف غربية أكثر تشدداً تجاه الدولة اللبنانية ومؤسساتها.

والثاني: إعادة خلط الأوراق إقليمياً، وهو ما تراهن عليه بعض القوى الداخلية، انطلاقاً من التصعيد على الجبهة الشمالية في إسرائيل أو تطورات المشهد الإيراني، ما يمنح حزب الله ذريعة إضافية للتمسك بسلاحه وربطه مجدداً بـ«الردع الاستراتيجي».

هل ينتظر لبنان قطاراً لن يتوقف له؟

يبدو لبنان اليوم كمن ينتظر قطار تسوية إقليمية لا يملك مفتاح الصعود إليه، ولا الجرأة على بناء قطاره الخاص. لا هو يفاوض بجدية، ولا هو ينسحب من خطوط الاشتباك. والأسوأ، أنه يعتقد أن تكرار المواقف كفيل بتغيير الوقائع. لكن رسائل براك الأخيرة جاءت لتؤكد أن زمن التردد انتهى، وأن «الحلول المؤجلة» لم تعد تقنع أحداً، لا في واشنطن ولا في أي عاصمة مؤثرة.

لا تسوية بلا قرارات صعبة

في المحصلة، لم تحمل زيارة براك أي هدية، بل كشفت عن حجم المأزق اللبناني. فلا التسوية الإقليمية ناضجة بالكامل، ولا الداخل اللبناني مؤهل لصناعة قراره السيادي. والسؤال الذي يطرح نفسه مع نهاية هذه الجولة: كم زيارة يحتاجها الموفدون الدوليون، كي يقتنع لبنان بأن تكرار المواقف لا يصنع حلولاً؟.

أخبار ذات صلة

 




المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى