أخبار العالم

سؤالي للمعلم في يومه العالمي – أخبار السعودية – كورا نيو



بدأت أتحرر مؤخراً من إحدى أقدم وأسوأ الصور القليلة التي تحتفظ بها ذاكرتي ومخيلتي عن المعلم، والتي صبغت نظرتي لمهنة التعليم ككل منذ طفولتي، تلك الصورة التي تشكَّلت في الصف الرابع الابتدائي وبقيت واستمرت في اللاوعي، لا يوقظها في الوعي إلا اليوم العالمي للمعلم أو كلما جاءت مناسبة للحديث عن التعليم.

نحن لا نختار ما تلتقطه عدسة الطفولة ولا نتحكم بما تؤرشفه الذاكرة وما تستدعيه المخيلة أو ما يتم حذفه أو حتى الكيفية التي تتم فيها معالجة الأحداث والمواقف حسب تربيتنا وتنشئتنا وقدراتنا في طفولتنا وما يتماهى معها ويسهم بتشكيلها، لكن المؤكد أن أحداثاً ومواقف بعينها ولأسباب نفسية وتربوية، تستقر لدينا وتصبح بنية تحتية لقناعاتنا وتعاملاتنا في مقتبل أعمارنا.

لشدة السذاجة أو البراءة، لم أفهم سبب تعمد معلم الرياضيات في الصف الرابع الابتدائي تجاهل كل محاولاتي رفع يدي للإجابة على أسئلته في الصف، مما استدعاني أن أتنقل وأغير مكان جلوسي في ذلك الصف لأكثر من مرة علّني أفوز بسؤال من ذلك المعلم. لكن كل محاولاتي باءت بالفشل. ولم أفهم السؤال الذي لم أفهم الإجابة عليه حينها: هل يتعمّد هذا المعلم تجاهل وجودي في الصف؟ ولماذا؟ هل لديه موقف مني؟ هل تفكيري أو طريقة لباسي تزعجه؟

لم تسمح لي غضاضة التجربة حينها أن أطرح أسئلتي المحيرة أو معرفة لمن أتوجه بها، لكن الأثر في نفسي كان بليغاً، ربما وجَّه ضربة مبكرة لثقتي في نفسي وزعزع حماسي ورغبتي وإقبالي على التعليم حينها. ربما كانت ستكون الصدمة أقل وطأة لو أن معلم الرياضيات يتعامل مع الطلبة بنفس التجاهل وعدم التفاعل لهانت كثيراً. لكنه كان يسأل أغلب الأطفال وبعضهم كان يحظى بنصيب الأسد من الأسئلة في الحصة الواحدة. أما الأطفال الذين لم يتم توجيه أسئلة لهم لا أذكر إن كانوا كثيرين، ولا أعرف إن كان ذلك يريحهم، أم أنه يزعجهم كما أزعجني!

في المقابل، وهو ما يزيد حيرتي وحنقي على معلم الرياضيات، هو أن مستواي التفاعلي والتعليمي ليس سيئاً مع بقية مواد الصف الرابع ومعلمينا في الصف الرابع الابتدائي. فقد كانوا يتعاملون ويتفاعلون معي بأسلوب وطريقة طبيعية داخل الصف وخارجه، بل إن معلم اللغة العربية طلبني لأكثر من مرة لأحضر إلى الصف الخامس كي أجيب على أسئلة وجهها لبعض الطلبة في الصف الخامس الابتدائي فلم يجيبوا عليها، دلالة على أني متفاعل ولي حضور ومستوى تعليمي وتواصلي مع المعلمين الطبيعيين والأسوياء.

إن ظاهرة تفضيل المعلم لطلبة بعينهم دون سواهم داخل الصف أو خارجه، أو تحيّز المعلم ضد طلبة بعينهم وخاصة في مرحلة الطفولة سواء بقصد أو بدون قصد تستدعي وقفة جادة وحازمة من المؤسسة التعليمية. أولاً هذه الظاهرة لا بد من دراستها إذا لم تُدرس بعد، كما يجب أن يتم التعامل معها بحزم ومسؤولية لخطورتها وتأثيرها على نفسية وذهنية الطفل حاضراً ومستقبلاً. فإذا كان سلوك المعلم هذا متكرراً ومقصوداً، ففي أغلب الظن أنها حالة تستدعي العلاج، وإذا كانت غير مقصودة فيتم تنبيه المعلم لها وتمكينه من التغلب عليها، وبكلتا الحالتين، هذه الظاهرة خطيرة ويجب ألا يستهان بها، وهي غير مقبولة ويجب أن تُراقب وأن تتوقف. من المهم أن تتم توعية الأطفال وتنبيههم إلى رفض هذا السلوك وعدم القبول به، من خلال تقديم شكوى إلى إدارة المدرسة أو المختص بهذا الشأن في المدرسة. أو من خلال المنصات الإلكترونية الخاصة بذلك.

أخيراً، إنني أتألم وأتحسّر من تجربتي المريرة هذه التي تخطت الصف الرابع الابتدائي إلى ما بعده، خاصة في علاقتي بالرياضيات. ليس في نفسي أي حقد أو كراهية ضد معلم الرياضيات رغم كل ما تسبّب به لي نفسياً وتعليمياً، إلا أنني أسجل التقدير والعرفان والامتنان لكل المعلمين الذين لم يحاولوا أن ينحازوا لطلاب بعينهم أو ضد طلاب بعينهم، بقصد أو بدون قصد.

أخبار ذات صلة

 


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى