سائقات التوصيل.. حكايات لا تنتهي ! – أخبار السعودية – كورا نيو

برزت مهنة كابتن التوصيل خياراً سريعاً ومجزياً للعديد من النساء اللواتي يسعين لتحقيق الاستقلال المالي والانخراط في سوق العمل من هذه البوابة؛ التي يعتبرها الكثيرون شاقة لساعات عملها الطويلة، وبسبب مفاجآت الطريق.. فـ«وصليني» كلمة تستخدم بين كثير من النساء للحصول على قائدة سيارة من نفس جنسهن؛ بهدف الخصوصية والأمان والراحة النفسية في ظل اتساع آفاق العمل لدى المرأة، فمهنة كابتن توصيل بدأت مرفوضة وانتهت قدوة.. وتستعرض «عكاظ» حكايات سيدات مع التوصيل والعمل الحر.
إنهاء المشوار بسبب تنمُّر
عهود (40 عاماً) كابتن توصيل، تحمل شهادة دبلوم موارد بشرية، اتجهت إلى العمل في برامج التوصيل رغم ساعاتها الطويلة والمرهقة، تقول: أعمل يومياً من الرابعة عصراً حتى الواحدة ليلاً، وأيام العطلات من الرابعة عصراً حتى الثالثة فجراً منذ عام وثمانية أشهر، وتحملت الصعاب، وواجهت العديد من المواقف المحرجة والمضحكة والصعبة، وبفضل الله ثم بعزيمة النفس، تغلبت عليها حتى أصبح الأمر بالنسبة لي عاديّاً. تجربتي كانت رائعة، واستفدت الكثير منها من ناحية الدخل اليومي. وواجهت أثناء عملي أشخاص رائعين، ولدي هدف أن أكون كابتن توصيل مميزة، وأنا قادرة على الخوض في المجتمع والاستفادة والتعلم من الناس، صحيح واجهت إيجابيات وسلبيات كثيرة، ولم أكن بحاجة لخبرات أو شهادات حتى أخوض التجربة.
وتضيف الكابتن عهود: من الأشياء الجميلة والمهمة في برامج التوصيل أنها عرفتني على أماكن وتحديات وأشخاص وعروض من بعض التطبيقات، كان العمل مرناً، وكلما عملت أكثر كسبت أضعافاً. ومن السلبيات استهلاك مركبتي وضغوطات وقت الذروة؛ بسبب زحمة السير، والاعتماد على تقييم العملاء، كما واجهتني تحديات صعبة من بعض العملاء، وقد تعرضت لتنمّر من إحدى العميلات، وقررت عدم إكمال المشوار. وتنصح عهود باختيار الأوقات المناسبة للعمل في وقت الذروة وإجازات نهاية الأسبوع؛ لأن الطلب يكون بسعر أعلى.
وترى عهود أن بعض العملاء لا يتقبلون المرأة الكابتن؛ فضلاً أن الأعطال المفاجئة تعد من التحديات الماثلة لكثير من الكباتن.
وتختم عهود: أثبتت السيدات اللائي يعملن في مجال التوصيل أن الإصرار والشجاعة يمكنهما من فتح الأبواب المغلقة وكسر الصور النمطية، ورغم التحديات اليومية يعملن بروح المسؤولية والأمانة ليبرهنّ أن المرأة قادرة على النجاح في أي ميدان تختاره، بفضل دعم المجتمع واحترام المهنة، وهي الخطوة الأولى نحو بيئة عمل أكثر أماناً وعدلاً.
لم أسع للمال.. بحثت عن قيمتي
في مشهدٍ لم يكن مألوفاً قبل سنوات قليلة، بات من الطبيعي أن تقف سيدة بثقة خلف مقود سيارتها، ليس فقط سائقةً خاصة، بل مقدمة خدمة توصيل محترفة عبر تطبيقات.
عذاري الحميا تروي حكايتها: بدأت رحلتي نهاية 2018م، فبعد أن اشتريت السيارة كنت أبحث في التطبيقات المخصصة للنساء، فخطرت ببالي فكرة أن أجرب العمل «كابتن توصيل»، وسجلت في التطبيق، وبصراحة أنا من الأشخاص الذين يحبون خوض التجارب الجديدة، وكانت تجربة التوصيل بالنسبة لي جميلة، وبدأت أستقبل الطلبات، كنت أخرج من دوامي 11.00 صباحاً، وأبدأ باستلام الطلبات من المنطقة نفسها. وبصراحة، كنت أعيش فترة غنية من التجارب والفرص وتيسرت الأمور بعدها، واستمررت في العمل؛ لأنني أحببت المهنة. وجربت تطبيقات عدة، وكانت كل مشاويري خاصة بالسيدات، أعمل أيضاً من المغرب حتى 9:00 مساءً، ثم أُوقف الطلبات. وبعد جائحة كورونا، استقلت من عملي الأساسي، لكنني لم أتوقف، وبدأت أبحث عن تطبيقات توصيل أخرى، لأني تعودت على العمل ولا أحب الجلوس دون عمل.
وتضيف عذاري: الغريب أن البعض استغرب كيف يمكن لفتاة أن تعمل لفترات طويلة، وتوصل الطلبات لمناطق مختلفة! لكنني، ولله الحمد، لم أكن أبحث عن المال فقط -رغم أنه نعمة- بل كنت أبحث عن عمل يملأ وقتي ويشعرني بقيمتي، ووجدت أيضاً أن هناك فتيات كثيرات مثلي، يعملن من أجل زيادة الدخل أو حتى بدافع الشغف، ففي 2022م، تعرضت لعارض صحي، وتوقفت فترة قصيرة، ثم عدت للعمل مرة أخرى.
الدخل 15 ألفاً شهرياً
لم تكن (أم فهد) تتوقع أن يتحول قرارها بالانضمام إلى تطبيقات التوصيل إلى مصدر دخل ثابت يفوق وظيفتها السابقة. أربع سنوات مضت على بداية رحلتها، وتقول إنها لم تندم يوماً على هذه الخطوة، بل تعتبرها «نقطة تحول» في حياتها العملية. تروي لـ«عكاظ» قصتها قائلة: «بدأت العمل قبل أربع سنوات، وكان اختياراً موفقاً، رغم الاعتراضات التي واجهتها من بعض أفراد العائلة والمجتمع، وبالمقابل وجدت دعماً وتشجيعاً من آخرين، ما أعطاني دافعاً للاستمرار». وتضيف: كنت أتعامل مع عملي في التوصيل كوظيفة بدوام كامل، أبدأ يومي بعد صلاة الفجر وحتى الساعة الـ8:00 مساءً. في السنة الأولى، كنت أحقق دخلاً يومياً يراوح بين 450 و500 ريال، ووصل دخلي الشهري إلى نحو 14 أو 15 ألف ريال، وهو رقم لم أكن أتوقعه.
ولكنه لكثرة المنتسبين لهذا المجال، انخفض الدخل قليلاً، إلا أنني ما زلت بفضل الله أحقق متوسط دخل يومي يصل إلى 300 ريال؛ أي ما يعادل تسعة آلاف ريال شهرياً، وهو دخل ترى أنه يوازي راتب موظف بدوام رسمي.
وعن بداياتها، تشير إلى أنها كانت موظفة سابقاً، وكانت توصل زميلاتها بعد الدوام، ثم قررت التفرغ للعمل في التطبيق بعد أن اكتشفت أن دخله يفوق ما كانت تتقاضاه في وظيفتها.
وتوجّه أم فهد نصيحة للنساء الباحثات عن فرص عمل: أنصح كل امرأة لم تجد وظيفة أن تفكر في العمل عبر تطبيقات التوصيل. المجال ليس فقط مصدر دخل، بل فرصة لبناء علاقات جيدة، واكتساب مهارات جديدة.
ولم تخلُ تجربتها من التحديات، خصوصاً في البداية عندما كانت تُكلف بتوصيل الرجال والنساء، ما تسبب في بعض المضايقات.
«اقترحنا في أحد اجتماعات الكباتن تخصيص خيار للنساء يسمح لهن بتوصيل السيدات أو العائلات فقط، والحمد لله تم توفير هذه الميزة. وفي ختام حديثها، تؤكد «أم فهد» أنها مستمرة في عملها، ليس فقط بسبب الدخل الجيد، ولكن أيضاً لتحقيق ذاتها، وإثبات أن المرأة قادرة على العمل والنجاح في أي مجال تختاره.
إلغاء رحلة الرجل «دودي» !
تروى عذاري بعض المواقف التي واجهتها؛ منها الطريفة ومنها المؤلمة، فبعض السيدات يستغللن طيبة الكابتن، خصوصاً في التطبيقات التي تطلب الدفع نقداً: «روحي وسنحول لك المبلغ لاحقاً»، ثم لا يفعلن وأضطر للانتظار، وأحياناً أخسر الرحلة.
ومن المواقف أنني أهتم كثيراً بنظافة السيارة، خصوصاً أن سيارتي كبيرة من الداخل، لكني أعاني من بعض الراكبات اللواتي يتركن مخلفاتهن من مناديل أو أغراض شخصية رغم وجود سلة مهملات واضحة، وأحياناً أقول: «الله يهديكم، عندكم سلة مهملات، استخدموها».
كذلك المعاناة مع كبار السن من السيدات، يفضلن توجيه السائق بأنفسهن رغم وجود الموقع الجغرافي.
ودائماً أسمع: «ليش رحتي من هنا؟ ليه ما جيتي من الطريق الفلاني؟»، فأشرح لهن أنني أمشي حسب الموقع الذي حددوه، لكن لا يعجبهم، وأحياناً يطلبن إنزالهن في منتصف الطريق!
وتتذكر عذاري موقفاً آخر عندما قررت أخذ طلب باسم (دودي)، والعادة أتصل على الراكبة وأطلب منها أن تكون جاهزة.
لكن في هذا الطلب لم أتصل، وعندما وصلت، فتح الباب رجل اسمه (محمد) أصبت بالدهشة، خصوصاً أنني وضعت شرطاً لنفسي للنساء فقط، واتضح أنه استخدم جوال والدته، وطلب التوصيل، وألغيت الطلب فوراً، وتحمّلت تكلفته، وتواصلت مع الشركة التي استاءت من إلغائي المباشر دون تواصل، لكنها أوقفت حساب الرجل.
اهدئي وارجعي البيت!
تواصل الكابتن عذاري حكاياتها، وتقول: ذات مرة، صعدت سيارتي سيدة بدت عليها علامات التعب، فعرضت عليها الذهاب للمستشفى، لكنها رفضت، وقالت إنها فقط تريد شراء شاحن بحثنا كثيراً عن نوع الشاحن الذي تريده، كلما نزلت وجلبته لها، لا يعجبها فامتدت الرحلة ساعة ونصف، وبدأت أشك في الأمر.
ثم جاءها اتصال من أحد أقاربها يصرخ فيها: «ارجعي البيت»، وكانت تحاول تهدئته قلت لها: «يا عزيزتي، تأخرنا كثيراً، وين تبين نروح؟»
قالت: «رجعيني البيت»، والجو كان حاراً قلت لها: «ما أبي منك فلوس»، لكنها أصرت وأعطتني الأجرة.
تأملت وجهها، وكان التعب واضحاً عليها، فدعوت الله أن يشفيها.
ومثل هذه المواقف كثيرة لكن، ولله الحمد، فيها رزق وخير، ومن أجمل الأمور في الرحلة: السوالف الجميلة، والعلاقات الإنسانية التي نشأت بيني وبين السيدات، كانت وما زالت تجربة جميلة، تسعى فيها المرأة لإعادة هيكلة نفسها وترتيب حياتها.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات