أخبار العالم

«ستيكرات» العصبية المقيتة! – أخبار السعودية – كورا نيو



تروّج بعض المتاجر إكسسوارات و«ستيكرات» تحمل كل واحدة منها (كوداً) يتكوّن من ثلاثة أرقام يزعم المهتمون باقتنائها بأن كل (كود) هو رمز لقبيلة معينة، ويتجه المنتمون لهذه الثقافة الجاهلية لوضعها على هواتفهم النقالة، أو الصاقها على ملابسهم، أو سياراتهم في سلوك جاهلي انخرط في غياهبها جاهلون.

الجميع يعلم ولا ينكر أن التفاخر بالقبيلة والأسرة هو ظاهرة قديمة في المجتمعات العربية، وهي إيجابية تتمثل في تعزيز الهوية والانتماء، لكنها قد تتحول إلى سلبية عندما تُغذي العصبية والتمييز الاجتماعي إلى انقسامات اجتماعية، وهذا ما ذهب إليه الكثير من العقلاء الذين طالبوا بضرورة التوازن المطلوب في الحفاظ على التفاخر بالأسرة والقبيلة وفي نفس الوقت دون الإقلال من الآخرين وبعيداً عن خطورة العصبية القبلية وأثرها على الوحدة الوطنية.

«عكاظ» استطلعت آراء عدد من المختصين في عدة تخصصات حول الظاهرة والدوافع خلف الركض على هذه الأرقام والرموز، وعن أسباب محاولة البعض دخول هذه الثقافة المقيتة في أوساط المجتمع؟

البداية من «وسم الإبل»

اللواء متقاعد محمد فريح الحارثي، يؤكد لـ«عكاظ» أن الحفاظ على اللحمة الوطنية يتطلب تعزيز الهوية الجامعة، وتعزيز الهوية الوطنية، فالهوية ليست شعاراً أو علماً يُرفع في المناسبات بل انتماء وحب لوطن نعيش فيه ونوحد أفكارنا له، رغم اختلافاتنا الفردية، فتعزيز الهوية الوطنية هي مسؤولة جماعية لأن الوطن ليس أرضاً نعيش عليها فقط، بل روح تسكن فينا، وواجب علينا أن نحافظ عليه وأن نعيش كتلة واحدة نحفظ فيه نسيج مجتمعنا ووحدته.

وأضاف اللواء متقاعد الحارثي: ما نراه من حرص البعض خلف رموز وأرقام يوهمون بها الآخرين أنها ذات معانٍ، هي تصرفات غير حضارية وبعيدة عن مجتمعنا، وهي في الأصل من وسم الإبل الذي يستخدم للإبل يرمز لدلالة الملكية لها، ولا أدري كيف يرضى البعض أن يحول تلك الوسوم إلى وسوم بشرية تنبذها العقيدة الإسلامية والشرع الحنيف، لكن للأسف لعبت منصات التواصل الاجتماعي دوراً في انتشارها والإيهام إلى دلالات بعيدة كل البعد عن مجتمع متماسك، وما يحدث أمر مرفوض وعلى الجهات ذات الاختصاص الوقوف عليها والتصدي لها.

هؤلاء مسؤولون

اللواء الحارثي يحمّل الأسرة بعدم متابعة أبنائها، وتنبيههم من الانسياق خلف تصرفات بعض الكارهين للمجتمع، وحمّل المدارس بضرورة تكثيف جرعات الوعي المجتمعي من خلال الحصص المدرسية حفاظاً على النسيج الاجتماعي البعيد عن الكراهية والبغضاء.

دعوها فإنها منتنة

المحامي مهند الحربي يقول إن الله -عز وجل- في كتابة الكريم جعل الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا، فهذا دليل رباني على التعارف بين الشعوب لا على التفاخر بالنسب والتعالي على الآخرين، فالتفاخر بالدين لا بالنسب أو العرق، فالتعصب القبلي بأي شكل من الأشكال يعد دعوى جاهلية، ومن الأمور التي نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام حين قال «دعوها فإنها منتنة»، فالدولة سنّت بعض القوانين والعقوبات لهذه الأفعال وشددت على ذلك بسبب أن القيم الدينية والثقافات ليست بالتعصب أو التفاخر وإنما بالأعمال التي تُنجز، وأضاف الحربي في حديثه لـ«عكاظ» أن العقوبات تطال مثيري النعرات بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من ينتج ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة أو حرمة الحياة الخاصة أو إعداده أو إرساله أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.

ملاحقة مثيري النعرات

تقف وزارة الداخلية بحزم ضد كل ما يهدد السلم والأمن المُجتمعي ومثيري النعرات القبلية، وقد لاحقت الجهات الأمنية، خلال الفترات السابقة في مناطق مختلفة من مناطق المملكة، العديد من مثيري النعرات القبلية سواء كانت عبر ملصقات أو مقاطع صوتية أو فيديوهات، وألقت القبض عليهم وأحالتهم إلى النيابة العامة لينالوا جزاءهم، كما تواصل الوزارة بين الحين والآخر التحذير من كل ما من شأنه المساس بالنظام العام، مؤكدةً أن الجهات الأمنية تقف بحزم أمام كل من يحاول النيل من اللحمة الوطنية بإثارة النعرات القبلية المقيتة، وأن الجزاء الرادع سيكون مصيره.

سلوك تعصبي

الأخصائية النفسية أمل المطيري، تؤكد في حديثها لـ«عكاظ» أن انتشار تلك الـ(ستيكرات) التي تحمل أسماء القبائل وأرقاماً، ويتداولها بعض الشباب في مرحلة المراهقة، يعكس بحثهم عن أي شيء جاذب ولافت، وقد يجعلهم فريسة لبعض الكارهين والحاقدين للمجتمع، خاصة إذا تأثروا بأفكار مغرضة زرعتها مواقع التواصل الكارهة الساعية لزعزعة المجتمعات، لذلك المطلوب توسيع مفهوم الهوية الوطنية ليشمل القيم الشخصية والطموحات والانتماء الإنساني، ويمكن التعامل مع الظاهرة عبر تعزيز التواصل وغرس التعاطف، وتحويل الفخر الجزئي إلى شعور جماعي يعزز الوحدة الوطنية، لذلك التحدي هنا في المحافظة على تراثنا ومنع انقسامنا.

النيابة العامة تحذّر

النيابة العامة أكدت عبر حسابها في «X»، أن تعزيز الوحدة الوطنية واجب، مشددة على أن إظهار أي مظهر من مظاهر التمييز أو التعصب القبلي يُعد مخالفة للقيم المجتمعية ويُعرّض صاحبه للمساءلة الجزائية.

فإظهار التعصب القبلي يُضعف النسيج الاجتماعي، ويُثير الفرقة والكراهية بين أفراد المجتمع، ويجب الحفاظ على الوحدة الوطنية لما تمثله من أساسٍ للأمن والاستقرار.

مفاهيم تجاوزها الزمن

المستشارة التربوية المختصة بشؤون الأسرة الدكتورة نجوى المطيري قالت لـ«عكاظ»: إن هذه السلوكيات تُعيدنا إلى مفاهيم تجاوزها المجتمع المتماسك، الذي أسس هويته على قاعدة «الوطن للجميع، والجميع للوطن». وما يُقلق هنا هو ترسيخ هذه الرموز في أذهان النشء مما يُسهم في تكريس التفرقة وخلق فجوات بين أبناء الجيل الواحد، في وقت نحن بأمسّ الحاجة لترسيخ الانتماء والهوية الجامعة. فالمؤكد أن المروجين لها هم أفراد كارهون للمجتمع يبحثون عن وسائل يزعزعون فيها أمن المجتمع، ووجدوا من مواقع التواصل وسيلة توصلهم بسهولة الى مبتغاهم وأهدافهم، لذلك أرى أن التصدي لتك التصرفات الجاهلية يتطلب دوراً تكاملياً من الأسرة، والإعلام، والتعليم، والجهات التشريعية، مع فرض رقابة على المنتجات التي تُسوق لهذه الممارسات، وتغليب خطاب الهوية الوطنية في كل المحافل.

قيمة تجمع ولا تفرق

الباحث الاجتماعي طلال الناشري قال لـ«عكاظ»: تُعد الهوية الوطنية الركيزة الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع؛ وهي الرابط الذي يجمع أبناء الوطن تحت مظلة واحدة، ويمنحهم شعوراً بالانتماء والفخر. وهي ضرورة ملحة للحفاظ على وحدة المجتمع واستقراره، وترسخ القيم المشتركة في حياة الأفراد والمجتمع، بما يخلق شعوراً بالانتماء والوحدة، لأنها تمثل تماسكاً للوحدة الوطنية وتلاحماً بين أفراد المجتمع، في وطن يتطلب منا جميعاً أن نحافظ عليه؛ لأنه الرابط الذي يجمعنا رغم اختلاف الثقافات والأعراق.

لذلك ما يروج له البعض من (تفاهات) هي في الأصل كرهٌ للوطن وللمجتمع لأنهم لم يجدوا فيه ما يوصلهم إلى أهدافهم بعيداً عن الأنظمة والقانون، لهذا يلجاؤون إلى بعض التصرفات الخارجة مستغلين عدم إدراك صغار السن ما يحيط بهم من مكر من خلال هذه الإشارة الى أرقام أو طوابع و(ستيكرات) مستغلين قنوات التواصل في الترويج لها. وهنا يأتي دور الإعلام وقبله الأسرة والمدرسة في بناء وتعزيز الهوية الوطنية وغرسها في نفوس أبنائنا منذ الطفولة.

«التجارة».. 3 أشهر لا تستجيب

«عكاظ» طرحت استفساراً على وزارة التجارة لمعرفة مسؤوليتها عن تسويق بعض المحلات التجارية تلك الـ(ستيكرات) التي تحمل أسماء وأرقام القبائل، ومعرفة مدى نظامية بيعها، وهل تعتبر من السلع المسموح بيعها، أم أنه يُحظر تسويقها، وتم التواصل مع المتحدث باسم الوزارة عبدالرحمن الحسين، الذي طلب إرسال الاستفسار عبر البريد الإلكتروني الخاص بإعلام الوزارة ليتم الرد عليه، وتم إرساله في 18 أغسطس الماضي، غير أن الرد لم يصل للصحيفة على مدار ثلاثة أشهر رغم استمرار التواصل للحصول على الرد.

امنعوا تسويقها

المواطن عادل الديحاني يرى أن تسويق مثل هذه الشعارات في بعض المحلات «باب شر» ولا بد للأسرة من تحذير أبنائها من الانخراط في هذه الثقافة الجاهلية، والتوعية بأن الاعتزاز هو الافتخار بالوطن، ويطالب الجهات الرقابية بمنع بيع مثل هذه السلع والضرب بيد من حديد على كل من يقوم ببيعها.

فيما قال المواطن فهد الحنيحني: إن انتشار الـ(ستيكرات) التي تحمل أسماء قبائل يفتح أبواباً لمظاهر التعصب، خصوصاً عندما تُستخدم بطريقة استفزازية أو تنافسية، فمجتمعنا اليوم يعيش مرحلة وعي، ومن الضروري الحد من أي ممارسات قد تُفهم على أنها إثارة للعصبية. فالفخر بالقبيلة قيمة جميلة، لكن الأجمل أن نُجسدها بالأخلاق والمواقف وليس بالرموز.

أما المواطن مازن المحمدي فقال: إن الظاهرة سيئة وخطر جسيم يفكك ما نعيشه من ألفة، ويجب على الأسرة والمدرسة توعية الأجيال بمخاطرها، ونأمل من وزارة الشؤون الإسلامية توجيه أئمة الجوامع والمساجد بتكثيف الخطب لتوعية الناس بمخاطر التعصب القبلي، وعلى الجهات المختصة ملاحقة كل من يقوم بتسويق هذه الـ(ستيكرات) ومنع بيعها.


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى