أخبار العالم

سيادة الدول مفتاح الاستقرار – أخبار السعودية – كورا نيو



قبل ما يقرب من خمسة عقود اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، ذلك البلد الذي كان يعج بملايين السيّاح سنوياً من كافة الدول العربية والغربية على حد سواء، فقد كان محطة بارزة للسياحة قبل أن تعبث بأمنه واستقراره أصابع الفتنة، ومن المؤكد أن الضربات القاصمة التي تلقاها لبنان نتيجة الحرب الأهلية وانتشار المليشيات المسلحة فوق أراضيه كانت أحد الأسباب القوية للتدهور الذي أصابه، والتي كان لها العديد من الأسباب السياسية والجغرافية، فلبنان يقع في خط المواجهة المباشر بين العديد من القوى في المنطقة، وهو ما ترتب عليه سقوطه في العديد من الصراعات الدائرة بين العديد من تلك القوى الإقليمية.

من المعروف أن بداية المشكلات التي واجهها لبنان كمنت في وجود عدد كبير من الفصائل المسلحة التي كانت منتشرة وقتئذٍ على أراضيه، فانتشار المليشيات المسلحة في أي دولة هو بوابة جحيم لتلك الدولة، فهذه الفصائل المسلحة لها أجندة خاصة قد تختلف مع توجهات الحكومة المركزية أو مع المليشيات الأخرى في نفس الدولة، وهو ما يؤدي إلى الصراع المسلح إما بين المليشيات بعضها البعض أو بينها وبين الحكومة المركزية، وهو ما يعني فقدان تماسك الدولة والتصارع بين تلك القوى؛ فمن يملك السلاح والعتاد الأقوى وعدد المسلحين الأكثر تكون له الغلبة، وهو ما يضعف دور الدولة في بسط الأمن وحماية مواطنيها ويجعلها في مواجهة عسكرية مسلحة مستمرة مع تلك المليشيات، مما يفتح الباب على مصراعيه لانقسامها وتمزقها وضياع مواردها وتشريد مواطنيها.

وجود فصيل مسلح في أي دولة يعني تحديه لسلطة الدولة المركزية، ومقارعته لقوانينها وسياساتها، مما يجبرها على الدخول في صراع معه يفقد كلاهما خلاله قوته وطاقته، وهو الأمر الذي تسبّب في حروب أهلية مستمرة حتى يومنا هذا في بعض الدول العربية، وخلال كل تلك الصراعات يعد المواطن هو ضحية انتشار تلك المليشيات، ولو نظرنا -على سبيل المثال- لما يجري في السودان من تمرد قوات الدعم السريع على حكومة الدولة المركزية نجد أن هذا التمرد أَضر بالمواطن البسيط، وتسبّب في نشوب أزمات إنسانية كارثية كنتيجة للدمار الذي خلّفته الحرب بين الدولة وقوات الدعم السريع.

كما أن وجود مليشيات مسلحة في أي دولة يفتح الباب أمام تدخل قوى خارجية للنفخ في نيران الأزمة، وهو ما يطيل أمد الحرب لعقود، ولو عدنا إلى لبنان في سبعينات القرن الماضي فسنجد أن وجود فصائل فلسطينية مسلحة في لبنان أعطى الذريعة لإسرائيل لاجتياح الأراضي اللبنانية لإخراج المليشيات الفلسطينية المسلحة منه، وبعد خروج تلك القوى من لبنان تم تأسيس حزب الله برعاية سورية، ومن المعروف أن هذا الحزب يدين بالولاء لقوى خارجية أكثر من ولائه لدولته وحكومته الوطنية.

وقد أعطى وجود مليشيات حزب الله في لبنان ذريعة لإسرائيل للتوغل في الأراضي اللبنانية، وهو ما أضعف كثيراً من السلطة المركزية في لبنان، خاصة أنه كان مدعوماً من نظام الأسد -قبل سقوطه- بشكل قوي للغاية، مما فتح الباب بقوة أمام التدخل الخارجي الذي أضر كثيراً بلبنان وكان المواطن اللبناني هو أول ضحاياه، ومن المؤكد أن سقوط نظام بشار الأسد مثّل ضربة قاضية لنفوذ الحزب في لبنان، وهو الحزب الذي طالما كان مصرّاً على التغريد منفرداً خارج السرب، وقد دأب على اتخاذ العديد من القرارات -حتى العسكرية منها- دون الرجوع للحكومة المركزية.

من الواضح تماماً الآن أن المحاولات الحثيثة التي تبذلها الحكومة اللبنانية لفرض سيادتها على جميع الشؤون الداخلية للبنان من خلال حصر السلاح وقصره في يد الحكومة المركزية فقط هدفها تحقيق مصالح الشعب اللبناني الشقيق، وهناك العديد من الدعم العربي والغربي للرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام لبسط الأمن والاستقرار في كافة ربوع لبنان، وهي فرصة يجب استغلالها لإعادة لبنان إلى الاستقرار وقطع دابر التوغل الإسرائيلي، ومساعدة الدول العربية للبنان لا يعتبر تدخلاً في شؤونها بقدر ما هو مساعدة ودعم للشعب اللبناني.

من المؤكد أن أي استقرار في لبنان مرهون بحصر السلاح في يد الحكومة المركزية، وبتعاون كافة الأطراف اللبنانية لدعم الحكومة اللبنانية، ولا شك أن خمسين عاماً من الصراعات والحروب الأهلية في لبنان لم تجلب للشعب اللبناني سوى الدمار والخراب، كما أن تقديم أي مساعدات مالية للبنان مرهون أيضاً بأن تكون فيها حكومة واحدة مركزية ومستقرة ومسيطرة، وأن يتم اجتثاث جذور جميع القوى والمليشيات المسلحة كحزب الله، ونحن نتوق جميعاً لعودة لبنان التي نعرفها قبل الحرب الأهلية اللبنانية، ولا شك أن التحديات التي يواجهها الرئيس جوزيف عون لا يمكن الاستهانة بها، ولذا فإن لبنان تستحق كل الدعم والمساندة سواء من الدول العربية أو غير العربية.

أخبار ذات صلة

 




المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى