صناعة الإرهاب – أخبار السعودية – كورا نيو

تأريخ الإرهاب قديمٌ قِدَمَ التاريخ الإنساني. وقد شهدت منطقتنا العربية في القرن العاشر ظهورَ منظمة إرهابية ذائعة الصيت في العالم الإسلامي، هي جماعة الحشاشين، التي بلغت درجةً عاليةً من التنظيم. واتخذ زعيمها حسن الصباح من قلعة «الموت» في إيران مركزاً لها، وأشاعت هذه المنظمةُ الرعبَ في قلوب الحكام وقادة الجيوش وقادة الرأي العام الإسلامي. ونجحت في ابتكار أساليب إرهابية لتحقيق مآربها السياسية، إذ كانت هذه الجماعة المتطرفة قليلة العدد، مما جعلها عاجزةً عن خوض حروبٍ تقليدية ضد خصومها. لذا، اعتمدت على فرق الاغتيال لاستهداف القادة وأصحاب الرأي، لإجبارهم على الرضوخ لمطالبها السياسية. وجريمة الحرابة التي يعاقب عليها الدين الإسلامي ما هي إلا نوعٌ من أنواع الإرهاب، وقد وصفها الله تعالى بالإفساد في الأرض.
وفي العصور الوسطى، عرفت أوروبا أشكالاً عديدةً من الإرهاب، تمثلت في عصاباتٍ كان النبلاء يستخدمونها للإخلال بالأمن في إقطاعيات خصومهم. كما اعتُبرت القرصنة جريمةً ضد قانون الشعوب، فانعقد الاختصاص القضائي لكل دول العالم لمحاكمة قراصنة البحر، حتى لو لم تقع الجريمة في نطاقها الإقليمي، على أساس أن القرصنة جريمةٌ ضد البشرية جمعاء. وبين إعلان باريس عام 1856 واتفاقية جنيف 1958، عُقدت العديد من الاتفاقيات الدولية لمواجهة العنف الإرهابي في أعالي البحار. وعلى هذا الأساس، يرى البعض أن خطف الطائرات هو البديل العصري للقرصنة البحرية، وهو ما تناولته اتفاقية لاهاي المعروفة بـ «اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني».
وازدادت خطورة الإرهاب مع نشوء الدولة القومية منذ القرن السادس عشر، الذي شهدت فيه أوروبا تطوراً في فهم هذه الظاهرة. كما حرص الاستعمار الغربي على توظيف الإرهاب في الدول التي خضعت لسيطرته، ومن الأمثلة الصارخة على ذلك جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي نمت وظهرت في ظل الاستعمار البريطاني. وقد استغلت القوى الكبرى الجماعات الإرهابية لتحقيق مصالحها في الصراعات الجيوسياسية، كما في دعم الولايات المتحدة للمجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي. وتلعب عوامل سياسية مثل القمع والاستبداد، واقتصادية مثل الفقر والبطالة، واجتماعية وثقافية مثل التهميش الديني أو العرقي، دوراً كبيراً في تغذية الإرهاب، إضافةً إلى دور الاستعمار والتدخل الخارجي في زرع الفوضى. ولا شك أن الإرهاب ليس ظاهرةً منعزلة، بل هو نتاج تفاعل سياسات داخلية (كالفساد والقمع) مع تدخلات خارجية.
الإرهاب أداةٌ من الأدوات التي تستخدمها القوى الاستعمارية لضرب الاستقرار والنمو، وإحكام قبضتها على الدول النامية والضعيفة لاستغلال مواردها وثرواتها. هذه الأداة خبرتها الدول الغربية جيداً، ووظّفتها بما يخدم مصالحها ويعزز هيمنتها.
يُظهر التأريخ الطويل للإرهاب أنه ليس وليد العصر الحديث، بل هو أداةٌ استُخدمت عبر العصور لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية. ورغم تطوّر أساليبه ووسائله، يبقى جوهره واحداً: العنف المُمنهج لزرع الرعب وفرض الهيمنة. وفي عالمنا اليوم، حيث تتداخل العوامل المحلية والدولية، تبرز الحاجة إلى مواجهة شاملة للإرهاب، لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل تشمل معالجة جذوره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقطع الطريق على أي تدخل خارجي يُذكي نيرانه. فالتصدي للإرهاب مسؤوليةٌ جماعية، تبدأ باستعادة العدل والكرامة للإنسان، وتنتهي بإفساح المجال للشعوب كي تبني مستقبلها بعيداً عن الاستغلال والفوضى.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات