قبل أن تصمت الرحى وتبلى السواني – أخبار السعودية – كورا نيو

على بُعد ثلاثين كيلومتراً من المسجد النبوي، تقع مزرعة جد نورة. اعتاد الجد أن يصحب أحفاده من العاصمة الرياض كل صيف إليها. في أحد الصباحات، كانت نورة تمسك بجهازها اللوحي، بينما كان جدها يخرف عذوق التمر منشداً أهزوجة قديمة اعتاد أهل الزرع في قريته على ترديدها: «ليت النخل يطلع بطلع جديد». بادَرته نورة بإكمالها: «حتى البدو عن دارنا ما يشدّون». التفت إليها متعجباً وسألها: «من أين عرفتِيها؟» فأجابت: «من منصة وطنية رقمية توثق التراث الزراعي والرعوي في بلادنا».
من هذه القصة الرمزية تنطلق فكرة مشروع توثيق تاريخ الأمن الغذائي السعودي، بوصفه أحد روافد الهوية الوطنية، وعنواناً للقوة والسيادة والتنمية المستدامة.
لم يكن الأمن الغذائي شأناً زراعياً فحسب، بل مشروع إستراتيجي بدأه الملك عبدالعزيز -رحمه الله- حينما أطلق مشروع توطين البادية عبر تأسيس الهجر الزراعية، واضعاً أسس الاستقرار والإنتاج. وتوالى أبناؤه الكرام بعده ترسيخ هذا النهج حتى أصبح الأمن الغذائي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده -حفظهما الله- جزءاً محورياً من رؤية وطنية طموحة تُجسّد التكامل بين الغذاء والاقتصاد وجودة الحياة.
إن توثيق هذا المسار لا يعني أرشفة الأحداث فحسب، بل هو قراءة عميقة لتحولات الوطن والمجتمع؛ من نشأة الحواضر وتبدّل العادات، إلى تفاعل السياسات والمجتمع في تشكيل الواقع الغذائي، واستجلاء العلاقة المتبادلة بين الأمن الغذائي وتغير أنماط الحياة العامة. ومن خلال هذا التحليل، يتضح تطور منظومة الأمن الغذائي كنتاج لجهود الدولة وتكيّف المجتمع، في مشهد يستحق أن يُقرأ ويُوثق.
ورغم ما قد يواجه المشروع من صعوبات، فإن الاستثمار فيه يُعدّ استثماراً في وعي الوطن ومستقبله، لا في ذاكرته فحسب. لذلك، طُرحت هذه المبادرة على عدد من الجهات المختصة، التي أجمعت على أهميتها وقيمتها الوطنية، غير أن عائق التمويل حال دون تبنيها.
هنا يبرز السؤال: هل يُعقل أن يتعطل توثيق تاريخ أمننا الغذائي الوطني لمجرد غياب التمويل؟ إن توثيق هذا الإرث ليس ترفاً معرفياً، بل أولوية وطنية لا تحتمل التأجيل. إنها دعوة إلى المؤسسات الثقافية، والجامعات، والوزارات المعنية، والقطاع الغذائي بكل أطرافه، وإلى أبناء الوطن كافة، ليكونوا شركاء في حفظ تجربة تُجسد ذاكرتنا وتخدم مستقبلنا.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات