قرارات عمياء تُقصي الكفاءات الوطنية – أخبار السعودية – كورا نيو

تخرجت دانية من جامعة سعودية مرموقة في تخصص اللغة الإنجليزية. وعندما دخلت إلى غرفة المقابلة الشخصية لدى شركة كبرى، تكوّن في ذهن مدير إدارة الترجمة وبعض أعضاء لجنة التوظيف، منذ اللحظة الأولى، أنها لا تبدو كشخصية قيادية. بعد أقل من خمس دقائق من المقابلة، حُسم قرار الرفض. وفي أقل من أربعة عشر شهراً من هذه المقابلة، أصبحت دانية رئيسة قسم الترجمة في شركة رائدة منافسة وحققت نجاحاً في قسمها واستطاعت قيادة موظفيها بكفاءة. فهل كان قرار رفض مدير إدارة الترجمة في الشركة الكبرى صحيحاً في نظرك؟
ربما يتبادر إلى ذهنك أن الإجابة هي أن قرار الرفض كان خاطئاً ومتسرعاً، لأنك علمت بعدها أنها أصبحت رئيسة قسم الترجمة في شركة رائدة منافسة وحققت نجاحاً، فهي بذلك شخصية قيادية. لكن دعونا نعود قليلاً إلى لحظة المقابلة الشخصية الأولى. وتخيّل أنك مدير/ة إدارة الترجمة، وتقدّمت إليك مواطنة حديثة التخرج، تمتلك الحماس وحب التعلّم والاستعداد للتطوير، وغالباً لا تمتلك الخبرة الكافية في طبيعة العمل ولا الممارسة الجيدة في المقابلات الوظيفية. هنا، فمن غير المنطقي تقييم مهاراتها القيادية، أو إصدار حكم نهائي بشأنها من مقابلة شخصية واحدة فقط. إذاً، لماذا يُطلق بعض المديرين أحكاماً على الآخرين بسرعة؟
فسّر الدكتور ألكسندر تودوروف (Alexander Todorov) الأستاذ المعروف في علم الإدراك الاجتماعي، أن كثيراً من الناس يُكوّنون أحكاماً (انطباعاً) على الآخرين من خلال اللقاء الأول، وذلك في أقل من 30 ثانية. ربما تُثير هذه الحقيقة العلمية الفاجعة وغير العادلة -عزيزي القارئ أختي القارئة- بعض التساؤلات، أهمها: ما خطورة الحكم المسبق على الآخرين من خلال اللقاء الأول؟
نوضح أن إصدار الأحكام على الآخرين الذي يتكوّن بسرعة خاطفة، هو سلوك بشري طبيعي، نشأ في معظمنا منذ الصِغر، واعتقدناه خطأ أنه صحيح، أو أننا نمتلك قدرة خارقة على الحكم على الآخرين بمجرد النظرة. الأمر الآخر، أن إصدار الأحكام لا يحتاج إلى بذل جهد ذهني كبير أو عمق عقلي في التفكير، بل يعتمد فقط على بعض المعلومات السطحية المخزنة في عقولنا، وبعض الاستنتاجات الظاهرة أمامنا. أما بالنسبة لخطورة إصدار أحكام مسبقة على الآخرين بناءً على الانطباع الأول في بيئات العمل، فهي أولاً: تُؤثر سلباً على صحة القرارات. ومن أبرز تلك القرارات: قرارات التوظيف، والترقية، والمحاكمات. هذا الأمر قد يُعيق المدير عن اتخاذ قرارات موضوعية أو حتى صحيحة. ثانياً: تُعطل فرص التواصل مع الطرف الآخر وبناء الثقة معه، فعندما تصدر أحكام على شخص ما في أول لقاء بناءً على مظهره أو طريقة حديثه، فقد تم تجاهل جوانب أخرى فيه كالرغبة في التعلم والتطوير والتمسك بالقيم والسلوكيات الإيجابية والذكاء العاطفي والاجتماعي، وكل هذه من أهم الصفات.
تلخيصاً لما سبق، فإن الحكم السريع على الآخرين من خلال المقابلة الشخصية فقط، قد يُقصي أشخاصاً مناسبين جداً لمنظماتنا. ورغم أنه من سلوكنا البشري الطبيعي، وأننا نحكم على الآخرين بمجرد النظرة، وأننا لا نريد أن نبذل جهداً كبيراً في تحليل الطرف الآخر قبل الحكم عليه، فإن علينا ضبط هذا السلوك لأنه يؤثر سلباً على قراراتنا ولا يجعلنا نبني ثقة مع الآخرين. أخيراً، الاستعجال في الحكم قد يُضيّع على وطننا قادة فعّالين؛ فلنمنح للكفاءات الوطنية أن تُظهر نفسها.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات