كل شيء مقابل لا شيء! – أخبار السعودية – كورا نيو

عادة ما تسبق الحروب سلسلة من المفاوضات، التي يحاول خلالها كل طرف تغليب مصلحة بلاده على مصلحة الطرف الآخر وكسب المزيد من المزايا، وتجنيب بلده الانزلاق في مستنقع الحرب لما لها من نتائج مدمرة، والمفاوضات ليست أمراً هيّناً وقد لا تنجح في نهاية المطاف، بل غالباً ما تكون سلسلة طويلة من اللقاءات المشتركة التي ترعاها دول أخرى محايدة أو صديقة لكلا الطرفين، ولا تحقق المفاوضات نتائج مثمرة إلا عندما تتحقق عدة شروط، لعل أهمها هو رغبة جميع الأطراف المنخرطة في الصراع في التوصل لحل عادل تُراعى فيه مصالح الجميع.
يجب أن تتضمن بنود التفاوض المحتوى الذي يقرّب وجهات النظر المتعارضة لجميع الأطراف من بعضها البعض، فالتفاوض أساسه أن يبدي كل طرف بعض المرونة وعدم التشدّد الضار بالطرف الآخر، بهدف تهدئة الأوضاع وعدم الوصول بها لنقطة اللاعودة، وتجنّب اندلاع الحرب بقدر المستطاع، فكافة دول العالم وشعوبه الآن غدت على معرفة كاملة وإدراك تام بالتكلفة الباهظة للحروب واستنزافها لكافة الموارد المالية والبشرية لجميع الأطراف المتحاربة، حتى الأطراف المنتصرة تتأثر كثيراً بالحروب سلباً.
تعد سيادة الدول على أراضيها هي المطلب الذي تحرص كل دولة على الحفاظ عليه مهما قدّمت من تنازلات، وبعودة قليلاً للوراء نجد أن المفاوضات أنقذت العالم من كوارث محققة ولم تنقذ طرفي النزاع فحسب، فعلى سبيل المثال نجحت المفاوضات في منع العالم من الانزلاق في الفوضى العسكرية خلال الأزمة الأمريكية الكوبية 1962، ومن المؤكد أن مصير المفاوضات هو الفشل التام حال إصرار الطرفين (أو حتى أحدهما فحسب) على تحقيق جميع أهداف أجندته بالكامل، دون اكتراث بما إذا كان تحقيق هذه الأهداف قد يضر بدرجة أو بأخرى بمصالح الطرف الآخر، وعندما تصل المفاوضات إلى طريق مسدود تندلع وقتئذ الحروب.
هناك بعض الدول التي ترفض مبدأ المفاوضات وتفضل عليها لغة الحرب، ذلك أن الحرب تجسيد للغة القوة، فالحروب طريق يسلكه البعض لتحقيق أهدافه عنوة، وينتصر فيها بطبيعة الحال الطرف الأقوى عسكرياً، وفي هذه الحالة تعتبر الحرب مدمرة للطرف الأضعف، الذي يخوض الحرب مضطراً دفاعاً عن أرضه أو سيادته، وهو ما يحدث في الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة حالياً، ويظن الطرف الأقوى أن الحرب العسكرية ستحقق له ما لم تحققه المفاوضات، ومن خلالها سيحقق جميع أهدافه حتى لو على حساب سحق الطرف الآخر.
ومن الملاحظ أنه كلما زادت القدرة العسكرية لطرف ما وكثر عدد حلفائه كلما كان الطرف الأشد تعنتاً في المفاوضات، فهو يدخل المفاوضات مغتراً بقوته ويريد لنفسه كل شيء، يريد تحقيق كافة مصالحه وتنفيذ جميع شروطه، لا ينظر إلا لنفسه فهو متمحور حول مطالبه هو فقط، وهو لا يريد للطرف الآخر أن ينجح في تحقيق أي شيء، وهو بذلك لا يريد تفاوضاً بل يرغب في تنازل رسمي بتوقيع المفاوضين يستطيع أن يستخدمه على المدى الطويل كورقة ضغط، وتلك السياسة هي التي تتبعها إسرائيل في مفاوضتها مع الدول العربية حتى يومنا هذا.
إسرائيل لا تعترف بحقوق العرب التاريخية في أراضيهم، فهي تريد الجولان ومزارع شبعا والضفة الغربية وغزة، وهي تتمادى في الحصول على أراضٍ لا تملكها من خلال إقحام آلتها العسكرية في أراضي بعض الدول المجاورة مدعومة بمساندة بعض الدول الغربية، وهي تتبع سياسة فرض الأمر الواقع كاستراتيجية بعيدة المدى، وهي لا تريد الاعتراف بدولة فلسطينية ولا بأي حقوق للشعب الفلسطيني، فهي تريد تهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه، فإن قاوم تقوم بقتله بدم بارد، وخلال تلك الدموية لا تفرق بين رجل وامرأة أو شيخ وطفل أو عسكري ومدني.
من الواضح تماماً أن إسرائيل ترغب بشدة في استعادة الأراضي الفلسطينية التي تديرها السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقات أوسلو، فبخلاف تعدي المستوطنين المتطرفين على أبناء الضفة الغربية، الذين تقوم السلطات الإسرائيلية نفسها بتسليحهم ليتمكنوا من ترهيب الفلسطينيين والتعدي عليهم كلما سنحت لهم الظروف، تقوم ببناء الكثير من المستوطنات هناك وتقوم بنقل الكثير من الإسرائيليين إليها للعيش فيها، وبذلك تتمكن من تغيير الهوية الفلسطينية واستبدالها بالهوية الإسرائيلية بالتدريج حتى تنضم كامل الأراضي الفلسطينية لدولة إسرائيل.
تدّعي إسرائيل أنها حريصة أشد الحرص على إجراء مفاوضات سلام جادة وبنّاءة مع العرب، ومن هنا اتضح لنا المفهوم الذي تقصده إسرائيل بالسلام، فهو هذا النوع من السلام الذي تريد أن تأخذ فيه كل شيء مقابل لا شيء تعطيه للفلسطينيين، فهي تنكر تماماً حق الفلسطينيين في أن يحصلوا على حقوقهم، فهي تنكر كافة حقوقهم وأهمها حقهم في أن تكون لهم دولة باسمهم معترف بها دولياً.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات