بين وداع عالِم واحتفال وطن – أخبار السعودية – كورا نيو

في مسار الأمم، غالباً ما تسير الأضداد في خطين متوازيين لا يلتقيان؛ فالحزن يظل بعيداً عن الفرح، كما أن الفقر يقابل الغنى، والكراهية تضاد المحبة. غير أن في المملكة العربية السعودية تبدو المعادلة مختلفة؛ إذ يمكن لهذه الأضداد أن تجتمع لا لتتناقض، بل لتصنع معنى أكبر: لحمة الوطن ووحدة المصير.
لقد حملت الأيام الماضية مشهدين متباينين في صورتهما، متكاملين في جوهرهما: مشهد الحزن برحيل سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ -رحمه الله- ومشهد الفرح باليوم الوطني. وفي كلا المشهدين، بدت المملكة على حقيقتها؛ وطناً يلتف شعبه حول قيادته، وقيادة تعيش وجدان شعبها في الأفراح كما في الأتراح.
في لحظة الحزن، رحل عالم من أبرز رموز الأمة، ورمز من رموز الاعتدال الذي ميّز الخطاب الديني السعودي لعقود. وبرغم التزامات الدولة الكبرى ومشاغلها الداخلية والخارجية، كان سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أول الحاضرين، واقفاً في صفوف المشيّعين. ذلك الحضور لم يكن مجرد أداء لبروتوكول، بل كان تعبيراً عن قائد استثنائي يرى في العلماء جزءاً من هوية الدولة، ويجسّد وفاءً وإيماناً راسخاً بأن القيادة لا تنفصل عن رموزها ولا عن شعبها. كان مشهداً بليغاً في دلالته: أن الدولة ليست جهازاً إدارياً جامداً، بل رابطة إنسانية وإيمانية توحّد القلوب قبل أن توحّد الصفوف.
وفي لحظة الفرح، بدت الصورة مختلفة في ظاهرها، متصلة في جوهرها. فقد احتفى السعوديون بيومهم الوطني في مشاهد امتدت من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، في نظامية رفيعة ورقي لافت. اجتمع الغني والفقير، المتعلم وغير المتعلم، في لوحة واحدة تعكس انصهار الجميع في وطن واحد. كانت التجمعات سلسة، والاحتفالات راقية، والفرح متزناً لا يخرج عن سياق الاحترام. حتى رجال الأمن، الذين قد يُنظر إليهم في مواقف مماثلة كحاجز، كانوا شركاء في البهجة؛ يعملون بحب واحتراف، ليضمنوا أن يهنأ الناس بأمان وطمأنينة. وقد عبّر أحد رجال الأمن الذي صادفته في الميدان بصدق حين قال، بعد ثلاثة أيام متواصلة من العمل: «أؤدي واجبي بكل حب حتى أضمن فرحة الناس».
وقد بدت الطمأنينة في تفاصيل اليوم الوطني انعكاساً لوعي الشعب والتزامه؛ فلم يكن النظام قيداً على الفرح، بل إطاراً أنيقاً أظهر رقي المجتمع وتلاحمه مع مؤسساته. فحيثما التزم الناس بالنظام، ظهرت البهجة أكثر صفاءً، والاحتفال أكثر حضارية.
إن قوة المملكة تكمن في هذا الامتزاج النادر بين مشاعر الناس ومواقف القيادة، بين الفرح والحزن، بين الماضي والحاضر. ففي كثير من المجتمعات، تُضعف المآسي وحدتها أو تُظهر الاحتفالات تناقضاتها، غير أن السعودية بدت مختلفة؛ إذ يحضر في كل مشهد وطني رابط أعمق من المناسبة نفسها، رابط قوامه الثقة المتبادلة بين الشعب وقيادته، والإيمان بأن ما يجمع السعوديين أكبر من تفاصيل اللحظة.
بهذا، التقى الحزن والفرح على أرض واحدة، وتحولا من ضدّين لا يلتقيان إلى معنيين متكاملين يعكسان حقيقة المملكة: قيادة تلتف حول شعبها، وشعب يزداد التزاماً بولائه وانتمائه مع كل مشهد. لقد اجتمع وداع عالم واحتفال وطن في لحظة واحدة، ليقولا للعالم إن السعودية ليست مجرد دولة تعيش أحداثها، بل وطنٌ يصنع من كل حدث معنى أعمق: معنى الوحدة واللحمة والوفاء.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات