أخبار العالم

ما بأيدينا خلقنا تُعساء – أخبار السعودية – كورا نيو



نيكوس كازانتزاكيس فيلسوف يوناني وكاتب رواية زوربا اليوناني والإغواء الأخير للمسيح، وكلتا الروايتين تم تحويلهما إلى السينما ونالا شهرة عالمية واسعة.

يقول كازانتزاكيس: «كيف يكون الإنسان مليئاً بالأحلام، وفجأة يصبح قلبه مقبرة، أين ذهب كل شيء؟».

بِمعنى: إنّ القلب الذي كان يعجّ بالآمال يمكن أن ينقلب في لحظة إلى فراغٍ صامت، كأنّ الحياة سحبت منه، وتركت أحلامه جثثاً بلا روح.

الإنسان حين يُصاب بخيبة كبرى أو يتعرّض لصدمات متراكمة، يدخل في حالة فقدان المعنى. ويسمّي علم النفس هذه الحالة «عجز التعلّم» حيث يتوقف الفرد عن المحاولة بعد أن يتكرر الفشل أو الخذلان، فيتحول الأفق الذي كان رحباً إلى جدار مغلق.

هنا تختفي الأحلام فعلاً، وتُدفن تحت ركام الألم والعذاب ودموع القهر، ويتأكد أن كل ما يولد يحمل في داخله بذرة فنائه، حقيقة عرفها قبل مئات السنين أبو البقاء الرندي في رثاء دولة الأندلس وسقوطها:

لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ

فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ

هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ

مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ

وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ

وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ

بمعنى أن كل شيء يبدأ بالحياة يحمل في طياته عوامل نهايته أو زواله، وأن دوام الحياة مؤقت وزائل، وهو مفهوم فلسفي يشمل الكائنات الحية وغير الحية على حدٍّ سواء.

خيبة أمل واحدة كفيلة بأن تفتح علينا أبواب الحزن كلها، وتجعلنا نرى العالم مكسوراً من الداخل، مهما تلألأ في ظاهره.

فالضحكات التي كانت تخرج من قلوبنا كالعصافير، تصبح مثقلةً بأجنحة الصمت. والأحلام التي نحملها كأكاليل من نور، نضعها على أبواب المقابر.

كم من قمرٍ سهرنا في ضيائه، ثم غاب إلى الأبد؟ وكم من زهرةٍ أهدتنا رحيقها، ثم طواها الذبول حتى صارت تراباً؟

الحدائق الغنّاء لا تبقى غنّاء، بل تتحول أوراقها الخضراء إلى هشيمٍ يابس تدوسه الأقدام. والأجساد الغضّة التي تفيض وسامةً ونوراً، سرعان ما تذوي وتستحيل عظاماً نخرة تحت التراب.

كم هو مرير أن ندرك أنّ كل ما نحبه مؤقت، وكل ما نتشبث به مهدد بالغياب. لا شيء ينجو من حكم الزمن، ولا حلم ينجو من مقصلة النهاية.

وما نحن إلا شهود على رحلة الجمال من ميلاده البهي إلى قبره البارد.

ولعل صدى «الأطلال» في رائعة إبراهيم ناجى يعبّر عن حالنا:

يا حبيبي كل شيء بقضاء..

ما بأيدينا خُلقنا تُعساء

كلمات تُشبه رثاء الكون لنفسه، إذ تنوح على الأحلام التي تولد كي تُدفن، والضحكات التي تُخلق كي تذوب في الدموع.

إنها مأساة الإنسان الكبرى.. أن يزرع الإنسان في قلبه بساتين زائلة، وأن يلهث وراء جمالٍ يعرف أنه سيخونه.

وهكذا تتشظى الروح بين شهوة البقاء وقسوة الزوال، ويظل الحزن آخر ما يبقى حيّاً فينا.

تبكينا النهايات التي تلسع الروح كما يلسعها الاغتراب في ليالٍ موحشة.

تلك الضحكات التي ملأت فضاء العمر دفئاً، تنكسر فجأة وتسيل دموعاً على وجناتنا، كأنها لم تكن إلا ومضة عابرة في صحراء قاسية.

أخبار ذات صلة

 


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى