أخبار العالم

مضيق هرمز.. بين شرعية القانون ومخاطر التصعيد – أخبار السعودية – كورا نيو



في الوقت الذي تتصاعد فيه المواجهة بين إسرائيل وإيران، والضربات المتبادلة والطائرات المسيّرة والمفاعلات النووية، يلوح في الأفق خطر أكبر لا يحظى بكامل الانتباه الإعلامي: مضيق هرمز، هذا الشريان البحري الحرج الذي تمرّ عبره قرابة 20% من صادرات النفط العالمية، منها حصة رئيسية للمملكة العربية السعودية. كما يُعد المضيق ممراً حيوياً لحوالي 27% من تجارة الغاز الطبيعي المسال (LNG) المنقولة بحراً عالمياً، ما يضاعف من أهمية استقراره بالنسبة لأمن الطاقة العالمي.

لقد شكّل هذا المضيق، لعقود، توازناً دقيقاً بين الجغرافيا السياسية والقانون الدولي. ومع احتدام النزاع بين طهران وتل أبيب، تبرز الرياض مجدّداً كقوة إقليمية مسؤولة، تعمل على حماية استقرار الطاقة، دون الانزلاق إلى دائرة الحرب. إن القراءة الدقيقة لهذا التوازن تكشف عن مقاربة سعودية حذرة، تستند إلى القانون الدولي من جهة، وإلى إدراك عميق لمخاطر عسكرة المضائق من جهة أخرى.

يقع مضيق هرمز بين إيران وسلطنة عُمان، ويبلغ عرضه في أضيَق نقاطه نحو 33 كيلومتراً، لكن الملاحة الآمنة تتم عبر ممرين ضيّقين لا يتجاوز عرض كل منهما ثلاثة كيلومترات، ما يجعل أي تهديد حتى بسيط كفيلاً باضطراب فوري في سوق الطاقة العالمية. ومع تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، خاصة بعد الضربات الإسرائيلية الدقيقة داخل العمق الإيراني، باتت طهران تُطلق إشارات غير مباشرة حول «قدرتها على الردّ بطرق متنوعة»، من بينها عرقلة الملاحة في المضيق. ورغم أن هذا التهديد لم يُترجم إلى فعل حتى الآن، إلا أن الأسواق العالمية تسعّر الاحتمال لا الفعل، وهو ما يفسر القفزات المتكررة في أسعار النفط كلما اقتربت منطقة الخليج من شبح التصعيد.

وحتى مع أن إيران لم تُعلن صراحة عن نيتها إغلاق المضيق، إلا أن بعض التصريحات الصادرة عن الحرس الثوري الإيراني، والتقارير العسكرية الغربية، ألمحت إلى أن تعطيل الملاحة البحرية يظل ضمن الخيارات المطروحة في حال تصاعد الصدام إلى مرحلة غير تقليدية.

في هذا السياق، تبرز المملكة العربية السعودية بصفتها لاعباً محورياً، ليس فقط بصفتها دولة مصدّرة للنفط، بل كقوة إقليمية تُدير المشهد بحنكة عالية. فالمملكة لا تنظر إلى مضيق هرمز كممر سعودي بالمعنى الجغرافي، بل كمرفق دولي مشترك، يتطلب تنسيقاً دولياً لا مواجهات إقليمية. ومنذ بداية التوتر، اختارت الرياض نهج التهدئة من دون ضعف. وأكّدت على لسان مسؤولين رفيعي المستوى أن استقرار الملاحة أولوية عليا، ومارست ضغوطاً دبلوماسية على الأطراف الغربية لاحتواء تل أبيب، حفاظاً على أمن المنطقة.

ومع حفاظ المملكة على نهج عدم الانخراط في مواقف إعلامية حادة تجاه أطراف النزاع، إلا أنها عبّرت ضمن الموقف الرسمي الصادر عن مجلس التعاون الخليجي عن إدانتها للضربات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، واعتبرتها تصعيداً يُهدّد الأمن الإقليمي ويتنافى مع قواعد القانون الدولي. هذا الموقف لا يُقرأ كموقف انحياز، بل كجزء من رؤية سعودية تؤمن بأن استخدام القوة دون مسوغ قانوني لا يخدم استقرار المنطقة، أياً كان مصدره. وربما الأهم من ذلك، أن المملكة لم تُسارع إلى تأجيج الموقف أو الانخراط في تحالفات بحرية استعراضية، بل ظلّت متمسّكة بفكرة أن أمن المضيق لا يكون بالقوة وحدها، بل بشرعية القانون الدولي وضبط النفس الإقليمي.

في الإطار القانوني، يُعد مضيق هرمز أحد المضائق الدولية المشمولة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، التي تنص على ما يُعرف بالمرور العابر، وهو مفهوم يمنح السفن بما في ذلك العسكرية حق العبور دون عرقلة، طالما التزمت بعدم تهديد السلام أو النظام العام للدولة المشاطئة. وبموجب هذا الإطار، لا يحق قانوناً تعطيل أو تهديد حركة الملاحة الدولية في المضيق، حتى تحت ذريعة الأمن القومي أو الردع العسكري، ما لم تكن في حالة حرب. في المقابل، فإن استخدام القوة لحماية هذا الممر دون تفويض دولي أو تنسيق إقليمي قد يُعد خرقاً للسيادة الإقليمية. من هنا، تُظهر السعودية إدراكاً قانونياً عميقاً لتعقيدات الوضع: فهي تُدافع عن حرية الملاحة، لكنها لا تُشرعن التدخلات الأحادية التي قد تُفاقم النزاع، وتُبقي تموضعها ضمن الإطار المشروع دولياً، ما يمنحها قوة أخلاقية وقانونية مضاعفة على طاولة التفاوض الإقليمي.

التاريخ يُعلّمنا أن المضائق البحرية ليست فقط ممرات نفط، بل ممرات نفوذ. وأي اضطراب فيها قد لا يضر فقط باقتصادات الدول الخليجية، بل يُربك أسواق الطاقة في أوروبا وآسيا، ويهدد سلاسل الإمداد في أمريكا والصين. والسعودية، وهي الدولة الأهم في معادلة الطاقة العالمية، تُدير هذا الإدراك بتوازن نادر؛ فمن جهة، تُنسّق مع الشركاء الدوليين عبر قنوات هادئة لتأمين خطوط الشحن، ومن جهة أخرى، تُبقي على قنواتها الخاصة مع إيران وتركيا وعمان، لتفكيك الألغام الدبلوماسية قبل انفجارها. الرياض لا تتعامل مع الطاقة كسلاح، بل كأداة استقرار. ولهذا، فإن موقفها تجاه مضيق هرمز اليوم ليس فقط موقف دفاع عن النفط، بل ودفاع عن منطق الدولة في وجه منطق الفوضى.

وفي ظل بيئة إقليمية يتصاعد فيها التوتر، تُعيد المملكة التأكيد على أن أمن الممرات الدولية لا يُحمى بالردع العسكري المفتوح، بل بتثبيت القواعد القانونية التي تنظّم استخدام المضائق وفقاً للشرعية الدولية.

ومن هذا المنطلق، قد يكون من الملائم التفكير في تطوير آلية إقليمية دولية تُعنى بتطبيق قواعد المرور الآمن في المضائق، بعيداً عن التجاذبات السياسية، إضافة إلى طرح ملف أمن الملاحة ضمن أي مفاوضات أمن إقليمي مقبلة، وتفعيل مركز خليجي مستقل لتنسيق سلامة الملاحة، يُدار بمهنية تكاملية تحفظ السيادة ولا تُفرّط في القانون.

أخبار ذات صلة

 




المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى