ما يحج إلا قوي أو صاحب حِيْلَه – أخبار السعودية – كورا نيو

صرمت القرية الحنطة، وسطّحوا الحزم على مساحات مشتركة حول الجُرن، وبالليل يغطون العيش بالأشرعة والحنابل، وفي الصبح يقشعونها ليتشمّس ويشتد الحبّ، ودخلت عشر ذي الحجة، وتشرق الشمس والقرية لا تزال في سبات، ولا تسمع إلا صياح الديكة.
فك العريفة المصراع وتقوبع بالمشلح، وأسند السُّلّم الخشبي، على جدار حجري، يفصل بين بيته وبيت جاره سوّاق اللوري (شمسان) ولما اعتلى السقف، استحب السلم ويليه حتى لا يتسلقه الصغار وإلا يطيحونه وما يلقى مكان ينزل منه، وتناوش درجاً مخروطي الشكل، وانحرف يسار قبل الفرجة التي تنحدر على ميضأة المسيد، ونقر على الباب، فردّت صاحبة البيت؛ من عند الباب، قال: (شدّاد أبو حبلين)؛ التفعت شرشف أبيض على رأسها وتلثمت بطرفه، وصاحت في زوجها؛ قمّ؛ قم؛ العريفه عند الباب، ردّ عليها باللكنة المكاويّة؛ أقوم أنقع له الدّف، ليحي باب العُلّيَه، لين أخبّي دلوي، واطوّي حبلي، عريفتك نقّاد.
سحبت الزرفال وفتحت، وكثّرتْ الحُرّة تراحيبها، والعريفة لمّاح وجريء، فقال: من رحّب أقرى، ردّت: أبشر بالبيض المطجّن، والدخن المعجّن، واللبن المهجّن، تجغّم من طاسة اللبن قرطوع، وما راق له الطعم، فقالت: لبن معزى وضأن، هزّ رأسه، وقال لها: وجهك يصطفق كنه مدهون بسنام حاشي، وإن كان إنّي ولد آبي، فأبو العراقيب بغر البارح الركيب، فابتسمت ودنقت رأسها.
أقبل (شمسان) بمنشفته على رأسه؛ وفوطته في وسطه، وخاتمه الفضّي يلمع فصّه، وبكته المدسوس في علبة مزينة بقطيفة قماش، فحدّ نظره فيه؛ وقال: دريت بك يا العُرّي من يوم شفت (القرمه) مكعّشه ومنهّشه، سريت تفرث وتمعى في الناقة الجذعا، وأضاف: ما هي بعيدة إنك افترقت لك البارح؟ ردّ عليه بحمشة: تراني أحشّمك يا عريفة من حشمة أمك اللي هي أخت أبويه، لا تتبلاني بشيء ما هو فيّه، علّق: أجل وش ذيك الطنقره حدّ الليل ما بتّ آويت، لكم دَبَكَة جنب رأسي كما دبكة الحمير، وليقطع عليه الردّ المفحم؛ طلب من زوجته تصبّ له فنجال من البراد المحروق يبلّ به ريقه، لين ينجح فالها، فقال (شمسان): ما يصلح لك حلاه زيادة، فاقتبع الفنجال جغمتين، ومدّه لها قائلاً: زيدي واحد، قال شمسان: بيسدّ نفسك عن الفال، قال: خلّه يسدّها، وما ندر الفنجال من ايده إلا بعدما ترع ثلاث ترعات، وحاول يتذكّر ليش جا عند جاره، لكن ما نجحت المحاولة.
أخبار ذات صلة
عاد للبيت، وقال لزوجته: هاتي الثيران خلينا نديس صيفنا حدّ النهار بأوّله، فقالت: العيش ما نشف خلّه يتشمّس في المسطح، ونقلّبه يومين ثلاثة، لين يذلّي يتقصمل، فلزمها من قفاتها وقال: والله لأنشفّه واقصمله، وإلا ماني أبو حبلين، وافتك الثيران من مربطها، ومرته منكرته، وركّب عِداد الدياس، ومن ديّسة في أختها، واختلط الحبّ بالعلّف، وما فكّ عن الثيران، إلا بعدما غدّرت عليه.
حطت المعزبة عشاها، ولم يمد يده، انسدح على ظهره، ولمح إلى الأعلى، وإذا هو يتورّى له أن سقف البيت صاغي جهة الملّة، فانتقز ونقل جواليق التمر وخصفة الحبّ إلى الجهة الموازية، وعوّد انشغر وإذا الميلان في الجهة الأخرى، وسرى ليله، وما خمد إلا ضحى اليوم التالي، بعدما أرضع الحسيل، وصرم البرسيم والقصيل، ولقّم الثيران، وشقق الحطب، وخلب جدران الجرين والمصبّر بالطين والضفع، واشتل الخورمة فوق كتفه كنها مشعاب، وجنّبها عند باب المراح وصعد للعالية.
رقد ثلاثة أيام، وكلما اجتمعوا الجماعة عنده ليشاوروه في موضوع سفرهم للحج، يلقونه كما الميّت، ما تظهر لهم إلا نسمته، وكلما جلّسوه وزهموا عليه؛ عريفة عريفة، يردّ عليهم: عريفتكم ما هب عريفتكم؛ وينكس على المسند؛ عمدوا شمسان، وكالوا له اللوم والعتب، وأقسموا لو جرى على عريفتهم خلاف لتحفد من رأسه، وهو يمج السيجارة ويضحك لين تغطس عيونه البرجونيّه في محاجره، ويردد: الله يكشف حاله؛ قلت يا بو حبلين ما يصلح لك الشاهي وشفط الغوري، خليه يستاهل، كان أبو حبلين واليوم صار أبو حبل واحد وبكرة أبو بتّ، والجماعة يضحكون والبعض يعيّبون عليه؛ والشماتين مبسوطين من الحالة اللي عريفتهم عليها.
استعاد العريفة حيويته، وما تذكّر وش صار عليه؛ وعقب صلاة العصر؛ لزمهم في المسيد، ونشدهم: من اللي نوى يرافقنا نودّي شعيرة ربي، حتى نربط الوعد مع سواق اللوري، ونعطيه عربونه، وهم في أخذها واعطاها، انسحب (الفقيه) مردداً ما يحج إلا قوي والا صاحب حيلة، لحقه المذّن، وقال: ما عاد أقوى منك يا فقيهنا، ردّ عليه: ولا أَحْيَل منك يا ديكان، وتناتفو اللُّحى، فانتصب العريفة واقفاً وقال: عليكم الله أكبر وعلى الناس الرضا؛ والتفت للفقيه قائلاً: ما تتهرب من طلعة الحجّ إلا معك دنفسه يا طلحان، بتقعد تخيط وتميط وتدهن الحُلبة بالسليط، ردّ عليه: بيش آحُجّ يا عريفة بقملي؟ وأضاف: الناس قبليّة وسميّة الخريف، وكل واحد بحاجة بلاده، وشيء أبدى من شيء، بأقعد أوسّم بلادي أخرج لي، تصايحوا في الظُّلة، واللي داخل المسيد اختلفوا على الفرقة ناس تقول: ندفع من ريال وكلّ واحد عزبته لحاله، وناس يقولون: نفرق من خمسة والعزبة جماعيّة، فقال العريفة: تدرون؛ منها لغيرها، منيه إلى حول الليلة لمن يعيش، تناشبنا وانحن بعد طرف الملّه، ونزيد نغدي نتناشب عند بيت الله.
المصدر : وكالات