نظام دولي موازٍ – أخبار السعودية – كورا نيو

منذ نهاية القرن الخامس عشر تتعاقب نظم دولية قائمة ونشطة، تتبادل احتلال مكانة الهيمنة الكونية عليها، قوىً عظمى. حركة تاريخية «ديالكتيكية» تتعاقب الأنظمة الدولية خلالها، منذ بداية الاكتشافات الجغرافية الكبرى، التي كشفت العالم الجديد بقاراته الثلاث (أمريكا الشمالية والوسطى، ثم الجنوبية)، بين المحيطين (الهادي والأطلسي). من يومها والصراع بين الدول العظمى يتبلور حول موارد العالم على اليابسة والمياه، ولا تخلو بقعة على الكوكب، إلا وكانت ذات قيمة استراتيجية واقتصادية وجيوسياسية، تستحق الصراع عليها.
أهم سمات الأنظمة الدولية المتعاقبة، أن الصراع يدور فيها وحولها وبها، بين دول، من أهمها طابعها الرسمي، مكوّنة مما عُرف، لاحقاً، بالدولة القومية الحديثة، عقب صلح وستفاليا، الذي أنهى الحروب في أوروبا (أكتوبر 1648) التي من أهم خصائصها السيادة الوطنية، لدول علمانية، تدفعها غريزة سياسية راسخة، أنانية بطبعها، للصراع بينها، من أجل الاستحواذ على أكبر قدر من الموارد الطبيعية والاستراتيجية واللوجستية، المحدودة بطبيعتها.
هذا يبدو في الماضي، حيث يبدو جوهر الصراع (سياسياً نظامياً) بين دول، وليس بين أمم وإمبراطوريات، كما كان الأمر في الماضي، حيث تدفع الصراع، آنذاك، قيم دينية ثقافية، في مجملها غيبية (ميتافيزيقية). لكن، منذ نهاية القرن الخامس عشر، أضحى هناك نظام دولي واحد أو متعدد الأقطاب، لكنه في النهاية، هو نظام رسمي، عضويته تتكون أساساً من دول ذات سيادة وطنية، يحتويها نظام دولي سائد، بقوانينه ومؤسساته، وقواعد للتعامل الدولي بينها، مُعترفٌ بها، بأعرافه المرعية.
باختصار: الأنظمة الدولية المتعاقبة هذه، عضويتها الأساسية، كانت تنحصر في الدول ذات السيادة، المتباينة في القوة والأوضاع الاقتصادية والأنظمة السياسية المختلفة (ديمقراطية أو شمولية أو أتوقراطية أو سلطوية… إلخ). لم يحدث أي تطوّر في الصورة النمطية للأنظمة الدولية، بطابعها الرسمي والنظامي المنحصر في أعضائه من الدول. لعلّ من بين علامات ضعف نظام الأمم المتحدة الحالي، ما يحصل الآن، داخل نموذج الدولة القومية الحديثة، ليكشف فعاليات مهمة، تتطوّر داخل نموذج الدولة القومية الحديثة، كاشفةً عن إرهاصات نظام دولي موازٍ يتحدى مكانة الدولة المرموقة، كضوء دولي حصري ووحيد، لنظام الأمم المتحدة القائم.
ما نشاهده اليوم من حراك شعبي للشارع في بعض الدول، مهما اختلفت أنظمتها السياسية، يتحدى الطابع الرسمي للعضوية في النظام الدولي، خارج نطاق المكانة الدولية (المرموقة)، تتحدى عضوية الدولة التقليدية، وتؤثر في حركة النظام الدولي، بعيداً عن الطابع الرسمي، ممثلاً في عضوية الدولة الحصرية للنظام الدولي، منذ نظام عصبة الأمم (1919- 1939) إلى نظام الأمم المتحدة الحالي (1945، إلى الآن)، حيث تنكرت الدول الأعضاء، لنظام الأمم المتحدة، سلوكاً وقيماً، ولم تلتزم بها، لا ضمن مجالها المحلي، ولا في مجال البيئتين الإقليمية والدولية، خارجياً.
قيم مثل: حقوق الإنسان.. والتحول الديمقراطي.. وتقرير حق الشعوب في تقرير مصيرها، بعيداً عن التبعية والخضوع للاحتلال.. وتصفية الاستعمار.. والبعد عن تسوية الخلافات بين الدول بالعنف، بل وباللجوء إلى الحلول والتسويات السلمية.. والدفع تجاه قيمة الحرية في مواجهة الاستبداد.. ومحاربة الفساد.. ووقف تسلط القوى الكبرى على مقدرات الدول الصغرى واستقلالية الأخيرة، في خيارات التنمية فيها وتوجهات سياستها الخارجية، وغير ذلك من القيم التي وردت نصاً في ميثاقي عصبة الأمم ونظام الأمم المتحدة، وفشل نظام الدولة القومية الحديثة، الامتثال لها، وإن تُشدق بها في الخطاب السياسي (العلني).
العدوان الإسرائيلي على غزة، كشف نفاق وسوء نية دول، بالذات الكبرى منها، الأعضاء في النظام الدولي الرسمي، المسؤولة عن استقرار النظام الدولي ومصير سلام العالم، مما نتج عنه حراك شعبي، عابر للقارات، في الشارع، وحتى في البحر، مثال: الرحلات الشعبية المتتالية لخرق الحصار الجائر الذي تفرضه إسرائيل على غزة، وكذا محاولات الهجرة غير الشرعية المتكررة هروباً بحثاً عن حياة أفضل، بعيداً عن أوطانها الأصلية، مما تجلى في ظاهرة سلوكية علنية، تعكس تحدياً سلمياً، وأحياناً، عنيفاً، لنموذج الدولة القومية الحديثة (العضو الوحيد الرسمي) في نظام الأمم المتحدة. المظاهرات والمَسِيرات، التي تجتاح بعض الدول، في شمال الكرة الأرضية وجنوبها، في السنتين الأخيرتين، إنما هي مثال صارخ، «للثورة الشعبية»، على نموذج الدولة القومية، قيماً وسلوكاً، التي حادت عن مسارها، وعن التزاماتها تجاه السلام واستقرار النظام الدولي. نظام موازٍ (غير رسمي)، بدأ يتشكّل على الساحتين الإقليمية والدولية، في تحدٍ صارخٍ لنموذج الدولة، كعضو وحيد وحصري، في نظام الأمم المتحدة القائم.
من الصعب القول، من الآن، أن هذا النظام الدولي غير الرسمي (الموازي) مرشحٌ ليُستبدل به النظام الدولي التقليدي القائم، ولكن كونه موازياً، من الصعب تجاهله، واستبعاد ما يمثله من تحديات للنظام الدولي القائم، بقيمه، ومؤسساته، وقوانينه، وأعرافه.
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات