نهاية حرب أوكرانيا.. حلم قريب أم وهم جديد ؟! – أخبار السعودية – كورا نيو

في السياسة كما في الحروب، لا تكفي الصورة لتروي الحقيقة. صورة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب جالساً إلى جانب نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وحول الطاولة قادة أوروبيون يتبادلون النظرات والابتسامات الدبلوماسية، بدت كأنها لوحة عن انسجام غربي كامل.
لكن خلف العدسات كانت المعادلات أعقد بكثير: وقف نار يلوح في الأفق ثم يتبخر، ضمانات أمنية تطرح من دون أن تجد صيغة مقبولة، وحرب ما زالت تفرض إيقاعها على الجميع. من هنا يثار السؤال: هل كان الاجتماع بداية مسار نحو نهاية الحرب، أم مجرد محطة عابرة في نزاع لم يقل كلمته الأخيرة بعد؟
وحدة ظاهرية أم رسائل مبطنة؟
على طاولة الاجتماعات، ظهرت تباينات واضحة بين القوى الغربية؛ الأوروبيون يدفعون باتجاه وقف نار سريع لتخفيف الضغط الاقتصادي ووقف موجة اللاجئين، بينما تركز الإدارة الأمريكية على صياغة ضمانات إستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى الحدِّ من نفوذ موسكو مستقبلاً.
وهذا ما يفسر اللغة المزدوجة التي اعتمدها ترمب، إذ شدد على ضرورة الضغط على بوتين للانخراط في تسوية، لكنه لم يتردد في مطالبة أوكرانيا بإبداء «مرونة». هذه المرونة قد تُقرأ أوروبياً كخطوة تكتيكية، لكنها عند موسكو قد تفسر كإشارة إلى استعداد الغرب لفتح الباب أمام مقايضات إقليمية. وهنا تكمن أهمية متابعة التطورات: كل موقف أو كلمة قد تغير ديناميكية التفاوض بأثر ملموس على الأرض.
عقدة الضمانات الأمنية
منذ اللحظة الأولى للحرب، ظل مطلب كييف واضحاً: لا تسوية بلا مظلة أمنية صلبة. بالنسبة لزيلينسكي أي اتفاق من دون ضمانات مكتوبة وملزمة ليس سوى هدنة مؤقتة تستخدمها روسيا لإعادة التموضع.
واشنطن تعرض دعماً عسكرياً وتمويلياً طويل الأمد، لكنها لا تريد التزاماً مباشراً بنشر قوات أو الدخول في معاهدة دفاع جماعي. الأوروبيون من جهتهم، يحاولون بلورة صيغة بينية: شراكة أمنية- اقتصادية تضع أوكرانيا تحت رعاية غربية عملية، لكن من دون استفزاز صريح لموسكو.
أما الكرملين فيرى في أي ضمانات تمنح لكييف مجرد باب خلفي لتوسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، هكذا تتحول الضمانات إلى عقدة مفصلية: هل يمكن صياغة إطار أمني يرضي كييف ولا يستفز موسكو في آن؟ سؤال لا يزال بلا إجابة.
تفاؤل أوروبي يصطدم بالواقع
التفاؤل الأوروبي بوقف نار تمهيدي يصطدم يومياً بالواقع الميداني. فبينما كانت الوفود تجتمع في واشنطن، كانت الهجمات الروسية على المدن مستمرة، مستهدفة البنى التحتية الحيوية. الرسالة واضحة: موسكو تفاوض من دون أن تكف عن القتال.
زيلينسكي أعلن مراراً أنه لن يقبل بوقف نار يجمد خطوط التماس من دون جدول زمني للانسحاب الروسي أو على الأقل آلية مراقبة دولية صارمة. بالنسبة إليه، أي وقف نار غير مشروط يعني ترسيخ احتلال الأمر الواقع. هنا يظهر الفارق بين الحلم والأوهام: الحلم أن ينتهي النزيف، والوهم أن يتحقق ذلك من دون ضمانات سياسية وأمنية.
الميدان يحكم: من يفاوض من موقع قوة؟
الحرب دخلت مرحلة استنزاف قاسية. الجبهات شبه ثابتة منذ أشهر، الخسائر تتزايد، والقدرات الاقتصادية للطرفين تتعرض لضغط هائل. روسيا تراهن على عامل الوقت: ارتفاع أسعار الطاقة، تعب الرأي العام الغربي، وتآكل قدرة كييف على مواصلة الحرب بلا دعم خارجي متواصل.
في المقابل، أوكرانيا تراهن على استمرار تدفق السلاح والمال، وعلى أن ينجح الغرب في إبقاء بوتين تحت حصار اقتصادي وعسكري يمنعه من تحقيق انتصار حاسم. لكن السؤال يبقى: من يملك ترف رفض التسوية؟ روسيا التي لا تريد أن تبدو مهزومة، أم أوكرانيا التي لا تستطيع التنازل عن سيادتها؟
قادم الأيام.. أسئلة استشرافية
الحرب لم تضع أوزارها بعد. الدبلوماسية أعادت فتح النوافذ لكنها لم تفتح الأبواب. الضمانات الأمنية لا تزال عقدة، ووقف النار مؤجل، والميدان لا يمنح أي طرف أفضلية قاطعة.
ما يجعل مستقبل الحرب في أوكرانيا مفتوحاً هو سلسلة من المتغيرات الحرجة: إذا قررت موسكو تصعيد العمليات في الجنوب، كيف ستتغير موازين التفاوض؟ هل تستطيع كييف الاستمرار بلا دعم غربي طويل الأمد، وماذا يعني ذلك لمستقبل الحرب؟ وإذا فشل أي اتفاق، هل تتحول أوكرانيا إلى حالة صمت المدافع الممتدة لسنوات، تاركة أوروبا أمام واقع أمني جديد ومعقد؟
ويبقى السؤال الأبرز: هل ستنجح الدبلوماسية هذه المرة في تحويل التوتر إلى تسوية قابلة للحياة، أم أن الأيام القادمة ستشهد استمرار النزاع في شكل جديد، حيث تبقى الحدود بين الانتصار والهزيمة ضبابية، ولا أحد يملك مفتاح نهاية المعركة؟
أخبار ذات صلة
المصدر : وكالات