أخبار العالم

هل يتاجر السياسيون بـ«الجنة» و«النار» لتحقيق مكاسب؟ – أخبار السعودية – كورا نيو



في عالم السياسة المعقد والمتشابك، حيث تُتخذ قرارات تحدد مصير شعوب بأكملها، يبدو أن الحديث عن «ما بعد الموت» و«الحساب الأخير» لم يختفِ من دائرة الاهتمام. بل على العكس، باتت مفردات مثل «الجنة» و«النار» جزءاً من أدوات السياسة الحديثة، يستخدمها القادة كوسيلة لتحويل الخطاب السياسي إلى شيء أعمق من مجرد مصالح دنيوية.

قد يبدو غريباً أن عقلا يدير القنابل النووية والاقتصادات العملاقة لا يزال منشغلاً بأسئلة الوجود الكبرى: ماذا بعد الموت؟ ولماذا؟ لكن الإجابة تتضح في السياسة التي لا تحكمها فقط المصالح المادية، بل أيضاً القناعات الروحية التي يشترك فيها القائد مع شعبه.

صفقة السماء.. هل السلام ثمن الجنة؟

في أغسطس الماضي، أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب جدلاً واسعاً حين أعلن أن أحد دوافعه لإنهاء الصراعات الدولية، خصوصاً الحرب في أوكرانيا، هو رغبته في «دخول الجنة».

قال ترمب حينها بصراحة لافتة: «أريد أن أحاول دخول الجنة إن أمكن.. اسمع إنني لست على ما يُرام في السجل الإلهي، أنا حقاً في أدنى مستوياتي. ولكن إذا استطعت دخول الجنة، فسيكون هذا العمل من أجل السلام أحد الأسباب».

هنا، يتضح كيف يتحول عمل سياسي جليل مثل السعي إلى إنهاء حرب يقتل فيها آلاف الأبرياء، إلى «صفقة روحية» مع الخالق، إذ يقدم السياسي إنجازاً دنيوياً ضخماً كـ«بطاقة مرور» للنعيم الأبدي، كتعويض عن سجلّه الإنساني غير الكامل. إن هذه المقايضة بين العمل الدنيوي والنجاة السماوية تعكس لعبة حسابية معقدة، تتجاوز المواقف السياسية لتصل إلى عمق النفس البشرية.

لكن الغريب أن ترمب في تناقض لافت عاد وصرح يوم أمس بأنه قد لا يكون «متجهاً نحو الجنة» مطلقاً، وأضاف بحكمة دنيوية: «لا أعتقد أن هناك أي شيء سيجعلني أدخل الجنة.. لكنني جعلت الحياة أفضل لكثير من الناس».

في هذه العبارة، يبرز بعد آخر من حسابات السياسي: إذا لم يكن الخالق راضياً عنه، فليكن على الأقل محيطه البشري ممن استفادوا من حكمته. إنها محاولة لاستبدال الحساب السماوي بمحاسبة دنيوية، تبرر وجوده وتخفف من وطأة الحكم الإلهي المحتمل.

غطاء «مقدس» لقرارات جريئة

لم تقتصر استخدامات الدين والحديث عن الآخرة على ترمب فقط، بل كثيراً ما لجأ سياسيون كبار إلى هذه اللغة لجعل قراراتهم تبدو ذات مشروعية أخلاقية لا تقبل النقاش. جورج دبليو بوش، على سبيل المثال، استخدم خطاب الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بصيغة صراع أخلاقي مطلق بين الخير والشر، حيث اعتقد أنصاره أنهم يخوضون «حرباً مقدسة» ضد قوى الشر المدعومة إلهياً.

الضعف الإنساني.. سلاح سياسي فعّال

لكن، لماذا ينجذب الناخبون إلى هذا النوع من التصريحات؟ لماذا تبدو كلمات مثل «الجنة والنار» قادرة على كسر الحواجز بين القائد والجمهور؟ إن الجواب على هذين السؤالين تكمن في استدعاء السياسي لصورته كبشر ضعيف، يعترف بمخاوفه من الحساب، ويسعى للمغفرة، وهو أمر يكسر جدار الغطرسة ويخلق رابطة إنسانية حقيقية.

وعندما يعترف ترمب بأنه «ليس متأكداً من دخوله الجنة»، فهو يعترف بحدود سلطته وموته المحتوم، وأن حسابه الأخير لا يمكن لأي قوة دنيوية أن تتفاوض بشأنه. وهذا الاعتراف، رغم تناقضه الظاهري، يمنحه ثقة إضافية لدى الناخبين الذين يبحثون عن قادة صادقين، حتى وإن كانت صدقهم يتخلله شكوك.

ويمكن القول إن السياسي الذكي يعرف أن خطاب الخلاص والآخرة هو أداة لتوحيد الناس حول فكرة أكبر من مجرد المصالح اليومية، فكرة تحرك الشعوب، وتمنح القادة شرعية تتجاوز الزمن.

أخبار ذات صلة

 


المصدر : وكالات

كورا نيو

أهلا بكم في موقع كورا نيو، يمكنكم التواصل معنا عبر الواتس اب اسفل الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى